IMLebanon

لبنان على محور بندر عباس – اللاذقية

 

طوت الكلمة التي ألقاها الرئيس المكلّف سعد الحريري، في الذكرى السادسة عشر لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، مرحلة التكاذب السياسي التي صاغتها مجموعة من متسلقي مواقع السلطة والثروة في العام 2016، تحت عنوان ملء الفراغ الرئاسي. طُويت المرحلة بعد ثبوت عدم صلاحية العناوين التي حملتها – الإصلاحات الإقتصادية والمالية والسياسية والنأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية – مكرسّة افتراقاً سياسياً نهائياً ظاهره إصرار رئيس الجمهورية على الثلث المعطّل كعُرف خارج عن الدستور، وحقيقته رفض فصل لبنان عن المشهد الإقليمي وتأكيد تحالف رئيس الجمهورية وحزب الله على إفراغ المبادرة الفرنسية من مضمونها وكلّ ما واكبها من رعاية عربية ، مصرية وإماراتية، وأوروبية.

ما كان يريده التحالف الحاكم هو تأمين غطاء كلّ القوى السياسية في الخيارات التي سيتّخذها في صراعه المفتوح مع المجتمعيّن العربي والدولي. وما يعنيه إنهيار التحالف بين قطبيّ الصفقة الرئاسية على خلفية تشكيل الحكومة، هو الفشل في اقتياد لبنان ووضعه بطريقة إنسيابية في المشهد الإقليمي كنقطة قوة لصالح طهران، بما يتّسق مع الإنهيارات التي عرفها منذ اتّفاق الدوحة. ويعني ذلك من جهة أخرى الإنتقال إلى مرحلة مواجهة اختارها المجتمع الدولي، ستظهرها ميادين متعدّدة وبأشكال مختلفة على إيقاع المسار الذي ستعتمده الولايات المتّحدة في صدامها مع طهران.

في فترة اللاقرار الأميركي تستعرض القوى الموجودة في سوريا قدراتها على التأثير أو ربما تتقدّم بعروضها للشراكة في الرؤية الأميركية. روسيا المتمسّكة بالتسهيلات الجويّة التي تقدّمها لإسرائيل في الداخل السوري تحجز موقعها كشريك أثبت موثوقيته، فيما الشروط والأثمان التي تطلبها لضبط الوجود الإيراني لا تزال في الملعب الأميركي. تعبّر الإتصالات التي أجراها بالأمس مساعد وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف بكلّ من الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط على خلفيّة ضرورة تشكيل الحكومة، حتى وإن لم تتضح ماهيّة التوجّه الروسي ، إلا تأكيد على اهتمام روسيا بكل ما يتصلّ بالإشتباك الإيراني الدولي، وبأنّ التوافق الدولي الذي تطمح إليه على دورها في سوريا لا يمكن أن ينفصل عن موقفها من المسألة عينها في لبنان.

وبالمقابل تستثمر كلّ من طهران وتل أبيب بإلزامات الجغرافيا بين لبنان وسوريا نظراً للوضع المشتبك والمتشابه على الحدود مع إسرائيل. تؤكّد الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في الجنوب السوري وعلى مخازن ومنشآت لوجستية  يستفيد منها حزب الله وسواه من الميليشيات بالقرب من الحدود اللبنانية السورية، أنّ إسرائيل وإيران تتعاملان مع المنطقة الجنوبية في لبنان وسوريا كبقعة عمليات واحدة. وفي هذا رسالة واضحة للولايات المتّحدة، فإسرائيل تريد الإستثمار في الإضاءة على حجم التهديد الذي تمثّله طهران، فيما تريد إيران القول أنها لاعب لا يستغنى عن دوره وهي قادرة على إحباط أو تسهيل المهمة الأميركية. هذا بالإضافة أنّ التوتر في المنطقة الجنوبية على الجهة اللبنانية مرشّح للدخول كمعطى إضافي خلال االشهر القادمة عندما يقترب موعد التجديد للقوات الدولية المؤقتة في جنوب لبنان تنفيذاً للقرار 1701.

النفوذ الإيراني ببعديّه الأمني والإقتصادي الذي يعيش على التلازم الجغرافي بين الساحتين اللبنانية والسورية وتلاشي الدولة في كليّ البلدين، يفترض مقاربة دولية للأزمتين على طريقة الأوعية المتّصلة، فكلتاهما تستمد استمراريتها من الأخرى وهذا ما يؤكّده الفشل المتكرر في حلّ الأزمة اللبنانية.

وفيما لا تزال المقاربة الدولية محكومة بالتردد وغياب الشمولية،  ترشّح إيران لبنان وسوريا لدور جديد لا يأبه بكلّ القرارات والإجراءات التي يفترض أنها وضعت للحد من نفوذها. فوفقاً لما أدلى به رئيس غرفة التجارة الإيرانية – السورية «كيوان كاشفي» أنّه بصدد تسيير خط ملاحي بحري من بندر عباس إلى اللاذقية، إعتباراً من العاشر من شهر آذار، لتصدير السلع إلى سوريا، بسبب الإستهداف الدائم  بالضربات العسكرية للطريق البري عبر العراق في منطقة البوكمال، وإقامة  الولايات المتّحدة قاعدة في التنف لقطع الممر الآخر.

الجدير ذكره أنّ البضائع وربما التجهيزات العسكرية التي ستصل لن تتمكن من العبور الى الداخل السوري لتموين الميليشيات الإيرانية عن طريق اللاذقية حلب، المعروفة بطريق(M4) بسبب مرورها عبر مناطق تسيطرعليها تركيا وبعض الفصائل التابعة لجبهة النصرة، وهذا ما يفترض مرور القوافل عبر شمال لبنان نحو البقاع والداخل السوري.

يتكافل التردد الدولي والمغامرة الإيرانية على وضع لبنان على محور بندر عباس – اللاذقية.