Site icon IMLebanon

حرب واحدة في بلدين

 

حرب سوريا التي دخلت عامها الحادي عشر هي حرب لبنان أيضاً. وهما في حسابات الداخل والخارج مسرحان مترابطان في لعبة جيوسياسية على مستوى المنطقة. والوقائع ناطقة: سوريا كانت اللاعب الكبير في حرب لبنان التي كانت من عوامل الأزمة السورية، ودور دمشق لم ينتهِ بخروج قواتها العسكرية عام 2005، ولا بتطورات الحرب هناك. “حزب الله” يشارك عسكرياً بقوة على جبهات عدة في حرب سوريا ويعمل على ربط جبهة الجنوب بجبهة الجولان. اللبنانيون منقسمون سياسياً بين داعمين للنظام السوري ومتحمسين لإسقاطه. ولبنان يشكل، بقوة الأشياء، “المنبع” و”المصب”: المنبع الذي تتأمن من خلاله حاجات دمشق الحيوية في عزلتها العربية والدولية، والمصب الذي تدفق عبره مليون ونصف مليون نازح سوري الى لبنان.

 

ذلك أن عشر سنين من حرب سوريا سبقتها ورافقتها أربعة عقود من حرب لبنان على مرحلتين: مرحلة المعارك الحامية بوجوهها المحلية والعربية والإقليمية والدولية، ومرحلة السير عكس نظرية كلازفيتز “الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى” أي السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى. معظم اللاعبين في حرب سوريا هم اللاعبون في حرب لبنان. هناك عمّ الخراب وانهار الاقتصاد والليرة وصار 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وبقي النظام ورأسه بقوة روسيا وإيران. وهنا انهار البلد مالياً واقتصادياً وسياسياً واقترب من “الزوال” وبقيت التركيبة الحاكمة باسم النظام. لا بل إن وجوه الحرب في مرحلتها الأولى هي نفسها في مرحلتها الثانية، باستثناء التي غيّبها الموت.

 

وكما في سوريا كذلك في لبنان: عقدة مستعصية على الحل. هناك ربح الروس عسكرياً لكنهم لا يستطيعون ترجمة الربح سياسياً من دون العرب والغرب. وهنا يتصرف محور “الممانعة والمقاومة” كأنه رابح، لكنه لا يملك حلاً للأزمات تحت شعار “التوجه شرقاً”، ويحتاج الى العرب والغرب الذين يقاتلهم. المعضلة هناك هي: لا مستقبل لسوريا ولا عودة لاجئين، لا إعادة إعمار ولا إستعادة المقعد في الجامعة العربية من دون تسوية سياسية على أساس القرار 2254، ولكن لا مستقبل للنظام كما هو اذا حدثت تسوية. والمعضلة هنا هي: لا إنقاذ للبنان من دون إصلاح وتغيير وسلطة توقف الفساد والسطو على المال العام والخاص، ولكن لا إصلاح لأنه يحد من امتيازات أمراء الحرب والطوائف، ويمنع التسلط بالقانون ومن خارج القانون، ويفتح أمام الجيل الجديد نادي النظام المغلق.

 

يقول ديفيد ريميك في كتاب “قبر لينين”: “عندما يتوقف التاريخ عن أن يكون في خدمة الحزب يصبح محكوماً بالفشل”. وهذا هو الدرس الذي تهرب قوى الأزمات من تعلمه، حيث الشعار “شعب واحد في بلدين” والواقع حرب واحدة في بلدين.