من يتابع الملف الشرق أوسطي عن قرب، يدرك أنّ واقع المنطقة يرتكز في جزء كبير منه على وضعية دمشق. إشتعال المنطقة يكون بتأجيج الصراع في سوريا أو شنّ الحروب ورسم المخطّطات لتدميرها، واستقرار المنطقة يمرّ عبر وأد الحرب فيها، وإعادة نسج خيوط التسويات معها.
من هنا، كان التقارب الخليجي الخجول لمدة ثلاث سنوات مع القيادة السورية، وكان رفض الولايات المتحدة يقف حائلًا أمام إعادة تطبيع العلاقات سياسيًا واقتصاديًا. أما أمنيًا فكانت الوفود السعودية والمصرية وسواها، تغطّ في دمشق بين فينةٍ وأخرى لتنسّق، كلّ منها لهدف واضح المعالم.
في الأشهر الأخيرة دخل عامل مغيّر، وعلى خط دمشق أنقرة عملت وساطات روسية إيرانية وإماراتية، لإعادة ترميم علاقة بين دولتين جارتين، حرقت الحرب أساساتها، وصعّبت جدًا إعادة وصلها. ورغم ذلك، لم يكن مفاجئًا لدمشق الحماس الذي أبدته تركيا من أجل اعادة التطبيع مع سوريا، حتى وصل بها الأمر إلى المجاهرة علنًا بأمرين: الأوّل هو تسليم أنقرة بأنّ المناطق التي جرى التنازع عليها شمال سوريا في السنوات الأخيرة يجب أن تعود لسلطة دمشق. الثاني هو تصريح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان برغبته بلقاء الرئيس بشار الأسد، وهي صورة ساعة ستُلتقط ستُقرأ بما أبعد من مصافحة بين رئيسين لدولتين جارتين!
أجواء دمشق تشير بوضوح أنّ ملفّات عديدة يُعمل على حلّها، ومنها معالجة مسألة مسلّحي إدلب الذين رفعت عنهم تركيا الغطاء منذ فترة، إضافة لإعادة تركيا لمناطق دخل جيشها إليها في الشمال السوري. علاوةً على ذلك، تسعى تركيا لإعادة اللاجئين السوريين على أراضيها إلى بلدهم الأم.
ورغم أنّ أكثر من لقاء عُقد في طهران وموسكو، جمع مسؤولين سوريين وأتراك، تشير المعلومات، أنّ زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، نجح فيها بالحصول على موافقة الرئيس الأسد على حصول لقاء علني ورفيع المستوى بين قيادتي الدولتين السورية والتركية في أبو ظبي، وهو ما سيحمل معه اعلان عودة العلاقات بين البلدين بشكل رسمي وللمرة الاولى منذ بداية الحرب في سوريا.
زيارة بن زايد لم تقتصر على بتّ مسألة اللقاء السوري- التركي، فبحسب المعلومات، إنّ زائر دمشق حضر حاملًا معه مبادرة اماراتية لإعادة تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. ورغم أنّ أبواب دمشق كانت مفتوحة أمام وفد المخابرات السعودية في أكثر من مناسبة، إلّا أنّ تطوير التنسيق سياسيًا واقتصاديًا توقّف لعدّة اعتبارات، واليوم تقرع السعودية الباب السوري من جديد بيدٍ اماراتية.
مصدر سياسي سوري يعلّق على الزيارة، مؤكّدًا أنّ نجاح الوساطات بتقريب وجهات النظر بين تركيا وسوريا، ألزم دولاً عدة في المنطقة على إعادة استعجال إتمام المصالحة مع دمشق في كل أوجهها، مؤكّدًا أنّ دمشق منفتحة على الحوار مع الجميع. ولا يُخفى بالطبع على دمشق، أنّ الخطوات العربية قد لا تصبّ بالضرورة في خانة المصالح المتبادلة، وإنّما قد تنطلق من رغبة بقطع الطريق على أنقرة تحديدًا، إلّا أنّ هذا الأمر لا تتوقف عنده دمشق، هي التي تدرك أنّ أبواب الحرب أُغلقت، وأنّ الحاجة للبدء جدّيًا بعملية إعادة الإعمار تتطلّب الإنفتاح على الجميع، فكيف لو كان الجميع يسعى إلى ذلك؟
ورغم الأزمة الإقتصادية الكبيرة، إلّا أنّ من يراقب تطوّر الأحداث في سوريا يشعر بأنّ نشوةً تختلج صدور السوريين، فبعدما كان التقاء القوى الإقليمية على ضرب النظام وإسقاطه، بات اليوم سباقهم عنوانه: من يطبّع علاقاته أسرع مع دمشق؟