تدخل الثورة السورية سنتها العاشرة. اندلعت الثورة التي اتخذت في بدايتها طابعا سلميا الى ابعد حدود في آذار – مارس 2011. صدر في المناسبة بيانان مهمّان. الاوّل عن مبعوث الامم المتحدة غير بدرسون (نروجي) والآخر عن حكومات الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. يجمع بين البيانين الوصف الدقيق لما حلّ بسوريا والسوريين من كوارث شملت تهجير نصف الشعب السوري من جهة وتأكيد التمسّك بقرار مجلس الامن التابع للأمم المتحدة الرقم 2254 من جهة اخرى. صدر هذا القرار في العام 2015 وجرت محاولات دؤوبة بذلتها روسيا وايران وحتّى تركيا، التي ارادت مسايرة الكرملين، من اجل إيجاد بديل منه، خصوصا في استانا عاصمة كازاخستان.
يرتدي التشديد على القرار 2254 في البيانين اهمّية خاصة نظرا الى ان ذلك يعني ان الامم المتحدة ليست مهتمّة عبر مبعوثها سوى بمسار واحد من اجل التوصّل الى حلّ سياسي لا بديل منه في نهاية المطاف. يدعو هذا المسار الى مرحلة انتقالية. لا يبدو انّ هناك مفرّا من هذه المرحلة في حال كان مطلوبا استعادة سوريا لوضع طبيعي. يسمح مثل هذا الوضع بالتفكير في الصيغة التي سيرسو عليها البلد الذي ينوء حاليا تحت خمسة احتلالات (الايراني والتركي والروسي والأميركي والإسرائيلي).
توجد عبارات عدّة لا يريد النظام السوري، الذي على رأسه بشّار الأسد، السماع بها. من بين هذه العبارات صياغة دستور سوري جديد والمرحلة الانتقالية التي لا تعود فيها السلطة محصورة بالتركيبة الحالية للنظام. هل صار في الإمكان في الوقت الحاضر تنفيذ القرار 2254 حتّى يشدّد عليه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ويؤكد في الوقت ذاته انّه «الاطار الوحيد الذي يمتع بالشرعية وبدعم المجتمع الدولي كلّه»؟
ذهب البيان الرباعي الاميركي – الألماني – الفرنسي – البريطاني الى ابعد من بيان بيدرسون وذلك بانتقاده روسيا وايران وما تفعلانه في سوريا. قال البيان: «إن الحل العسكري الذي يأمل النظام السوري في التوصل إليه، بدعم من روسيا وإيران، لن يحقق السلام. نكرر دعمنا القوي للعملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف وقرار مجلس الأمن الرقم 2254 من أجل إقامة دولة سورية سلمية ومستقرة. نحن – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – نطالب نظام الأسد بوقف القتل الوحشي والانخراط بشكل هادف في كافة جوانب قرار مجلس الأمن الرقم 2254، بما في ذلك وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني وتعديل الدستور والإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفا وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. لا يمكن أن تقتصر العملية السياسية ذات الصدقية على محاولات عقد لجنة دستورية، بل يجب السماح لكافة المواطنين السوريين، بمن فيهم النازحون واللاجئون، بالمشاركة في انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة».
واضح ان الكلام الوارد في بياني مبعوث الأمين العام للامم المتحدة والحكومات الأربع ذو طابع انساني، خصوصا انّه يتحدث عن المأساة السورية مستندا الى عدد المواطنين الذين شرّدوا. هناك مليون شخص آخر صاروا لاجئين بعد القصف الروسي والإيراني الذي استهدف ادلب والمنطقة المحيطة بها منذ أواخر العام الماضي. ولكن يظهر ان البيانات التي تصدر هذه الايّام ليست سوى من اجل تسجيل المواقف. ما هو ثابت ان فصول المأساة السورية تتوالى في ظلّ حسابات متضاربة ذهب ضحيتها بلد كان قابلا للحياة والازدهار وشعب يمتلك إمكانات كبيرة كان يمكن ان تجعل منه احد اغنى شعوب المنطقة.
مؤسف ان كلّ ما حصل بعد تسع سنوات على اندلاع الثورة السورية وجود رغبة دولية في بقاء الوضع يراوح مكانه وذلك بهدف تحقيق هدف واحد هو الانتهاء من سوريا التي عرفناها. من المفيد هنا اجراء نوع من المقارنة بين الوضعين السوري والعراقي وكيف ان اميركا قررت عدم الذهاب الى اسقاط النظام بعد اخراج الجيش العراقي من الكويت في شباط – فبراير 1991. كانت الطريق الى بغداد مفتوحة. لكن الولايات المتحدة فضلت اعتماد سياسة العقوبات والحصار على شعب العراق منذ لحظة دخول الكويت في آب – أغسطس 1990 حتّى آذار – مارس 2003. لم يكن مطلوبا التخلّص من النظام في مرحلة ما. كان مطلوبا حصول اهتراء داخلي، يشمل النسيج الاجتماعي، يسهل بعده الانتهاء من بلد اسمه العراق كي لا تقوم له قيامة في يوم من الايّام.
كانت هناك فرص عدّة في السنوات التسع الماضية للتخلّص من النظام السوري والسعي الى انقاذ السوريين عبر قيام نظام بديل يتمتع بحد ادنى من المواصفات الديموقراطية، خصوصا بعدما تبيّن منذ اليوم الاوّل الذي انتفض فيه السوريون ان هناك أكثرية ساحقة تريد التخلّص من نظام اقلّوي لا يؤمن بغير لغة الغاء الآخر والبراميل المتفجّرة.
لكن الذي حصل انّ الولايات المتحدة قرّرت التفرّج على تفتت سوريا وتحوّل الثروة السلمية الى نزاع مسلّح. كان همّ الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما محصورا بكيفية تفادي ازعاج ايران في سوريا. وكان همّ ايران كيفية اجراء تغيير ذي طبيعة ديموغرافية في سوريا. امّا روسيا، فكانت تريد إيجاد طريقة تؤدي الى جعل الجميع يستسلمون لها في سوريا. استطاعت إسرائيل تكريس احتلالها للجولان. كان لها ما ارادت. لاتزال تركيا تنتظر الفرصة المناسبة لتأكيد ان جزءا من الشمال السوري تابع لها وان الخريطة القديمة لسوريا لم تعد صالحة. امّا اميركا، فقررت في عهد دونالد ترامب اعتماد دور المتفرّج مع وجود عسكري على الأرض!
وسط كلّ التجاذبات التي نشهدها في سوريا والكلام الجميل عن القرار 2254 في بياني مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والحكومات الأربع، هناك ما يمكن التوقف عنده. ما يمكن التوقف عنده ان الحل في سوريا ليس قريبا. سيمرّ وقت طويل قبل ان يتقرّر مسقبل تلك الأرض التي لا يزال اسمها، اقلّه نظريا، الجمهورية العربيّة السورية. كلّ ما يمكن قوله الآن، ان النظام القائم ما زال حاجة روسية وايرانية وإسرائيلية، كما انّه حاجة أميركية. تبقى تركيا الحائرة في امرها والتي تريد استلحاق نفسها بعدما فوت رجب طيّب اردوغان كلّ الفرص التي كان يمكن ان تجعل من بلده لاعبا أساسيا في سوريا.
الكلّ يلعب في سوريا باستثناء السوريين الذين تحوّلوا ضحايا لعبة ادخلوا فيها، لكنّهم لا يعرفون في السنة 2020 هل يستطيعون الخروج منها في يوم من الايّام؟