IMLebanon

سوريا بعد الأسد: ما الذي يحدث وما القادم؟

 

 

نيل مكفاركر، فرناز فصيحي، فيفيان يي، صموئيل غرانادوس، ماثيو مبوك بيغ، رجا عبدالرحيم، آدم راسغون، إفراط ليفني وتوماس فولر- نيويورك تايمز

 

يستعيد المتمرّدون السيطرة على دمشق بينما تنفّذ إسرائيل ودول أخرى عمليات عسكرية. وبينما تسعى تحالفات المتمرّدين إلى تشكيل حكومة انتقالية لسوريا، لا تزال الفصائل المسلحة والقوى الخارجية تتصارع لملء الفراغ الذي خلّفته قوات الحكومة المنسحبة.

أعلنت «قوات سورية الديمقراطية»، الأكراد في شمال سوريا، والمدعومة من الولايات المتحدة، في وقت مبكر من يوم أمس الأربعاء، أنّها وافقت على وقف إطلاق النار بوساطة أميركية في مدينة منبج، حيث كانت تقاتل لصَدّ القوات المدعومة من تركيا.

 

في الوقت عينه، شنّ الجيش الإسرائيلي مئات الغارات الجوية على أصول عسكرية في جميع أنحاء سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، قائلاً إنّه يحاول منعها من الوقوع في أيدي المتطرّفين الإسلاميِّين.

 

مَن المسؤول الآن؟

تُعتبر «هيئة تحرير الشام»، التي يعني اسمها «منظمة تحرير الشام»، الفصيل المتمرّد الرئيسي الذي قاد الهجوم الأخير، إذ شنّت هجوماً مفاجئاً أواخر تشرين الثاني انطلق من شمال غرب سوريا وأدّى سريعاً إلى سقوط الرئيس بشار الأسد. وتتصدّر الهيئة الآن عملية الانتقال إلى حكومة سورية جديدة.

أعلن محمد البشير، وهو قائد متمرّد مرتبط بـ»هيئة تحرير الشام»، في خطاب موجز على التلفزيون السوري يوم الثلاثاء، أنّه سيتولّى منصب رئيس الوزراء الموقت حتى الأول من آذار. وكان البشير قد شغل سابقاً منصب رئيس الإدارة في الأراضي الخاضعة إلى سيطرة المتمرّدين في الشمال الغربي.

وأعلنت الهيئة أنّها ستمنح عفواً لموظفي الحكومة والجنود ذوي الرتب الدنيا، لكنّها تعهّدت بملاحقة ومعاقبة كبار المسؤولين في النظام السابق المتورّطين في التعذيب والانتهاكات الأخرى.

وأعلن أحمد الشرع، القائد وراء الحملة المتمرّدة الذي كان يُعرف سابقاً بالاسم الحركي أبو محمد الجولاني: «لن نتهاون في محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والعسكريّين المتورّطين في تعذيب الشعب السوري».

 

المجموعة هي فرع سابق للقاعدة انفصلت عنها قبل سنوات وأصبحت تُهَيمن على إدلب، المعقل الأخير للمعارضة السورية خلال الحرب الأهلية التي استمرّت 13 عاماً.

وأكّد غير بيدرسن، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، يوم الثلاثاء أنّ هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المسلّحة التي تُسيطر على العاصمة أصدرت «بيانات مطمئنة» حول تشكيل حكومة «وحدة وشمولية». وحَثّ الجماعات المسلّحة في سوريا على حماية المدنيّين وتشكيل حكومة تُمثّل المجتمعات العرقية والدينية العديدة في البلاد.

لكنّه حذّر من مخاطر تجدّد العنف بين الفصائل المختلفة العاملة في سوريا ومن المخاطر التي تشكّلها ما وصفها بـ«العمليات العسكرية الإسرائيلية المقلقة للغاية» في البلاد.

 

مَن هو أحمد الشرع؟

تخلّى أحمد الشرع، من «هيئة تحرير الشام»، أخيراً عن اسمه الحركي «أبو محمد الجولاني»، بعد أن أنهى الهجوم العسكري المذهل الذي أطاح نظام الأسد. وُلد أحمد حسين الشرع في السعودية لعائلة منفيَّين سوريَّين، وفقاً لتقارير إعلامية عربية. وفي أواخر الثمانينات، عادت عائلته إلى سوريا، وفي عام 2003، ذهب إلى العراق المجاور للانضمام إلى القاعدة ومحاربة الاحتلال الأميركي.

قضى سنوات عدة في سجن أميركي في العراق، وفقاً لتقارير إعلامية عربية ومسؤولين أميركيِّين. وفي وقت لاحق، ظهر في سوريا مع بداية الحرب الأهلية وشكّل «جبهة النصرة» التي تطوّرت في ما بعد إلى «هيئة تحرير الشام».

 

منذ قطع علاقاته مع القاعدة، حاول الشرع ومجموعته كسب الشرعية الدولية من خلال التخلّي عن الطموحات الجهادية العالمية والتركيز على الإدارة المنظّمة في سوريا.

تُثار تساؤلات حول نوع الحكومة التي سيدعمها الشرع وما إذا كان السوريّون سيقبلونها. في إدلب، تتبنّى «هيئة تحرير الشام» حكومة موجّهة بأيديولوجية سنّية إسلامية محافظة وأحياناً متشدّدة.

منذ بدء الهجوم، سعى الشرع إلى طمأنة المجتمعات الأقلية من طوائف وأديان أخرى. ويرى بعض المحلّلين أنّه يواجه الآن أكبر اختبار في حياته: ما إذا كان يستطيع توحيد السوريّين.

 

ماذا تفعل إسرائيل في سوريا؟

تشنّ إسرائيل غارات جوية مكثّفة على أهداف عسكرية كانت تُسيطر عليها حكومة الأسد. وتقدّمت قوّاتها البرية إلى ما وراء المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود السورية لأول مرّة منذ أكثر من 50 عاماً.

وأعلنت إسرائيل يوم الثلاثاء أنّها دمّرت البحرية السورية في غارات جوية ليلية، بينما واصلت قصف أهداف في سوريا على رغم من التحذيرات من أنّ عملياتها قد تؤدّي إلى إشعال صراع جديد وتُهدّد انتقال السلطة إلى حكومة موقتة.

وأوضح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أنّ الجيش الإسرائيلي «دمّر البحرية السورية الليلة الماضية، وبنجاح كبير». وأظهرت صور من مدينة اللاذقية الساحلية السورية بقايا السفن المحترقة التي غرقت في موانئها.

وأضاف كاتس، أنّ الجيش الإسرائيلي «يعمل في سوريا في الأيام الأخيرة لضرب وتدمير قدرات استراتيجية تُشكّل تهديداً لإسرائيل». ولم يشرح ماهية الخطر الجديد أو الفوري الذي تشكّله البحرية السورية على إسرائيل التي تمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط.

 

ماذا تفعل تركيا؟

دارت معارك عنيفة يوم الثلاثاء بين متمرّدين مدعومين من تركيا وقوّات يقودها الأكراد ومدعومة من الولايات المتحدة بالقرب من كوباني، وهي مدينة لها أهمية تاريخية ورمزية. وأعلن فرهاد شامي، المتحدث باسم القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة، أنّ المقاتلين المدعومين من تركيا «يهاجمون بعنف» في محيط كوباني. وأكّدت جماعة مستقلة تراقب الحرب أنّ الطائرات الحربية التركية كانت تدعم حلفاءها على الأرض بضربات جوية.

 

ماذا تفعل الولايات المتحدة؟

تركّز الولايات المتحدة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وتحتوي سوريا على أطراف عديدة، ممّا يُعقّد الوضع أكثر. تصبّ الولايات المتحدة اهتمامها الرئيسي في سوريا على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف أيضاً بـ«داعش»، الذي لا يزال له وجود في المناطق الشمالية الشرقية والوسطى من البلاد. ويتمركز حوالى 1000 جندي أميركي من قوات العمليات الخاصة في قواعد بالشرق والشمال الشرقي لسوريا، وغالباً ما يعملون بشكل وثيق مع القوات الكردية السورية.

 

وقد وافق الرئيس الأميركي جو بايدن على شنّ غارات جوية أميركية يوم الأحد ضدّ معسكرات ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داخل سوريا. ووفقاً لمسؤولين أميركيّين، استهدفت موجة من القاذفات والطائرات المقاتلة أكثر من 75 هدفاً في وسط سوريا.

وأكّد بايدن أنّ الولايات المتحدة ستدعم المنطقة «في حال ظهور أي تهديد من سوريا خلال هذه الفترة الانتقالية. نحن مدركون تماماً لحقيقة أنّ تنظيم «داعش» سيحاول استغلال أي فراغ لإعادة بناء قدراته وإنشاء ملاذ آمن. لن نسمح بحدوث ذلك».

ما هي الفصائل الداخلية في سوريا؟

بالإضافة إلى «هيئة تحرير الشام»، هناك العديد من الجماعات المسلحة الرئيسية في سوريا، بالإضافة إلى عدد كبير من الجماعات الأصغر.

 

«قوات سوريا الديمقراطية»

تتكوّن هذه القوات من المقاتلين الأكراد، الذين يشكّلون نحو 10% من سكان سوريا، وأصبحت الشريك المحلي الرئيسي للولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وتحت لواء «قوات سوريا الديموقراطية»، سيطروا على مناطق واسعة في الشمال الشرقي، إذ توسعوا في بناء منطقة حكم ذاتي.

لكنّ هذه القوات لا تزال تواجه تهديداً من عدوّها القديم تركيا، التي تعتبرهم مرتبطين بانفصاليِّين أكراد داخل حدودها.

 

 

الجيش الوطني السوري

تتلقّى هذه المجموعة، التي تضمّ عشرات الفصائل ذات الأيديولوجيات المختلفة، التمويل والأسلحة من تركيا. وركّزت تركيا منذ فترة طويلة على توسيع منطقة عازلة على حدودها مع سوريا لحماية نفسها من الأنشطة الكردية.

تهدف تركيا إلى إنشاء منطقة يمكنها فيها إعادة توطين بعض من الثلاثة ملايين لاجئ سوري الذين يعيشون داخل حدودها. لكنّها واجهت صعوبة في تنسيق عمل الفصائل المختلفة التي تشكّل الجيش الوطني السوري. ويتكوّن هذا الجيش في الغالب من بقايا الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك العديد من المقاتلين الذين رفضتهم الولايات المتحدة باعتبارهم مجرمين أو متطرّفين. بعضهم تلقّى تدريبات من الولايات المتحدة في بداية الحرب، لكنّ معظمهم استُبعدوا بسبب تطرّفهم أو نشاطهم الإجرامي.

 

ميليشيات الدروز

تتركّز أقلية الدروز في سوريا في منطقة السويداء جنوب البلاد. هذا الأسبوع، انضمّ مقاتلو الدروز إلى جهود الإطاحة بنظام الأسد، فشنّوا هجوماً في الجنوب واشتبكوا مع قوات النظام، وفقاً لتقارير إعلامية. ويعمل مقاتلو الدروز ضمن مجموعة جديدة من المتمرّدين السوريّين تضمّ مقاتلين من خلفيات مختلفة تحت اسم «غرفة عمليات الجنوب».

 

الدروز هم جماعة دينية تمارس طائفة متفرّعة من الإسلام، تطوّرت في القرن الـ11، وتحتوي على عناصر من المسيحية والهندوسية والغنوصية وفلسفات أخرى. ويبلغ عدد الدروز أكثر من مليون شخص في الشرق الأوسط، أغلبهم في سوريا ولبنان، وبعضهم في الأردن وإسرائيل.

 

تنظيم الدولة الإسلامية

سيطر تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم «داعش» على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق في عام 2014، حيث أسّس خلافة قاسية قبل أن يُدحَر من قِبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال أعضاؤه في حالة اختباء.

في الآونة الأخيرة، ظهرت إشارات على عودة التنظيم في سوريا وسط حالة عدم الاستقرار المتزايدة في المنطقة. وحذّرت وزارة الدفاع الأميركية في تموز من أنّ هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق تسير على طريق مضاعفة عددها مقارنةً بالعام السابق.

وحاول التنظيم مراراً تحرير أعضائه من السجون، واستمرّ في إدارة حكومة ظل في أجزاء من شمال شرق سوريا، وفقاً للولايات المتحدة.

يوم الثلاثاء، قتل عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية 54 شخصاً في منطقة حمص بوسط سوريا، كانوا من أفراد الجيش السوري الذين فرّوا أثناء انهيار نظام الأسد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.