IMLebanon

سوريا مجدداً في كمّاشة تركيا والسعودية

عادت سوريا لتحتل واجهة الحدث الإقليمي والدولي، في ضوء تطوراتها العسكرية والبحث مجدداً في آلية الحلول المقترحة والمرحلة الانتقالية

يشكل الوضع السوري المتفجر في الأسابيع الأخيرة أحد البنود الرئيسية في جدول اعمال اجتماع كامب دايفيد بين الرئيس الاميركي باراك اوباما وقادة دول الخليج، والذي يخيم عليه حدثان مفصليان: الاتفاق النووي مع ايران و»عاصفة الحزم» الخليجية في اليمن.

فبقدر ما شكل سقوط ادلب، ومن ثم جسر الشغور والتطورات العسكرية على الجبهة الجنوبية، هاجساً للدول المؤيدة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، كانت ايضاً محل متابعة دقيقة من الانظمة والاجهزة التي تعاديه. ورغم تأكيدات ايران وروسيا وحزب الله، على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله، متانة النظام السوري واستبعاد وقوعه، فإن ثمة آراء يعبّر عنها زوار واشنطن ومتصلون بمراكز سياسية وعسكرية اوروبية، عن الخوف من احتمال سقوط هذا النظام، اذا ما اقتربت المعركة من ابواب دمشق، أو تمددت قوى المعارضة، بعد ما حققته في جسر الشغور، في اتجاه اللاذقية.

يبدو صدور هذا الكلام غريباً للوهلة الاولى عن هذه الدوائر في عواصم معادية للاسد. لكن ما بدا لافتاً، في الايام الاخيرة، ان شبح الفوضى العراقية التي خلفها حلّ الجيش النظامي في العراق بعد الدخول الاميركي، والانهيار التام للوضع الليبي بعد سقوط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي ومقتله، ظهر مجدداً في نقاشات مراكز أبحاث غربية اميركية واوروبية، وحتى من خلال وسائل اعلام غربية معروفة بقربها من مراكز القرار في دولها. وهي ليست المرة الاولى التي تبدي فيها الدول التي تشارك في التحالف ضد «داعش» خشيتها من انفراط هيكلية النظام السوري والجيش، رغم كل الملاحظات عليه والرغبة في انهائه. الا انه برز اخيراً نوع من الحرص على عدم السماح بانهياره في شكل لا يمكن معه اعادة بناء نظام سوري جديد، او بما يمكن ان يسفر عنه من تفتت وفوضى تتمدد الى الدول المجاورة، وفي مقدمها لبنان، كما حصل حين انهار العراق وليبيا.

لذا اكتسبت تطورات جسر الشغور اهتماماً ملحوظاً يختلف حتى عمّا حصل مع سقوط ادلب، ان لجهة الخشية من وصول تنظيمات المعارضة الى المناطق العلوية في اللاذقية وحمص، او المسيحية في وادي النصارى، او لجهة الخوف من انهيار مجموعات تابعة للجيش السوري، في ظل كلام يتردد صداه في هذه العواصم عن تدخل اردني لمنع انهيار الوضع جنوب سوريا، وتدخل تركي لمنع تمدد قوى المعارضة نحو اللاذقية. وهذا لا يعني مطلقاً ان الدول المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعطي النظام السوري فترة سماح طويلة، بقدر ما تعطي مجالاً اكثر لمحاولة التوصل الى رسم سيناريو لطبيعة الحل الذي يمكن ان يرسم لسوريا بعد اربعة اعوام على نشوب الحرب فيها.

ينقل زوار واشنطن ومتصلون بمراكز أوروبية خشيةً من سقوط النظام!

ثمة عبارة أُعيد تداولها أخيراً، هي «day after»، اي ماذا في اليوم التالي لسقوط النظام السوري او انهيار جيشه؟ هذا النقاش نفسه طرح إبان البحث عن حل للسلاح الكيميائي السوري، الى ان حسم بعدم توجيه ضربة عسكرية اميركية في الوقت الذي كانت فيه دول، كفرنسا مثلاً، تستعد للساعة الصفر. واليوم، يعود السؤال نفسه ليتكرر في ظل سباق بين المعركة العسكرية المتعددة المحاور، والمحاولات السياسية التي تقودها واشنطن مع روسيا وتركيا ودول الخليج ــــ وعلى رأسها السعودية ــــ التي تتورط مجدداً في سوريا. فالمعادلات الجديدة التي بدأت ترتسم منذ ان تغير الواقع العربي على وقع حرب اليمن، وتبدل الحكم السعودي وطبيعته، احاطت مجدداً بالوضع السوري، على خلفية تجميع السعودية اوراقها في سوريا لدعم المعارضة وتوحيد قواها تحت راية موحدة بعيداً عن تنظيم «داعش». وهذا ما ظهر أخيراً في مستويات الحرب وتقنياتها واموالها التي قلبت الاوضاع في اكثر من جبهة سورية. لكن تجميع المعارضات السورية يأخذ اليوم منحى مختلفاً عما كان عليه في المرحلة الاولى للحرب. اذ ان الصراع تجدد بين السعودية من جهة وتركيا وقطر من جهة ثانية، فيما تحاول الاخيرتان اعادة تعويم خط الاخوان المسلمين بعدما سقطت التجربة الاخوانية المصرية، ونحت الأحداث في سوريا نحو شكل اسلامي متشدد ودموي في ظل «داعش». فيما تريد الرياض أخذ مسافة من هذه التنظيمات، لاسباب عقائدية واخرى تتعلق بابقاء سيطرتها منفردة على التنظيمات التي تعادي الاسد، من دون العبور بخطي تركيا وقطر.

لكن ما ظهر اخيراً هو ان تركيا اكثر قدرة على لعب دور عملي، لقربها جغرافياً ولعلاقاتها مع المناطق الحدودية (زيارة رئيس الوزراء التركي داود اوغلو لقبر سليمان شاه)، يضاف الى ذلك الاموال القطرية، ما يجعلها قادرة على ان تكون اكثر تأثيراً من الدور السعودي، ولا سيما في المناطق الشمالية السورية.

وفي انتظار جلاء صورة كامب دايفيد، على وقع الاختلاف بين الرؤية الاميركية والرؤية السعودية تحديداً للوضع في سوريا والعلاقة مع ايران، وتأثيراتها في الشرق الاوسط، يتجدد دولياً احتمال احياء فكرة المرحلة الانتقالية والعودة الى مؤتمر «جنيف 1»، علماً انه سبق لإيران وروسيا ان تخلتا عنه بمجرد قبولهما بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية واستمرار الاسد لولاية رئاسية جديدة.