Site icon IMLebanon

سوريا ولعنة «الميدوزا» الإيرانية

بعض كبار المؤرخين يعتبرون معركة «سلاميس» سنة 480 ق. م. واحدة من أهم المحطات الكبرى في التاريخ لأنها منعت بشكل نهائي الفرس من تكرار غزو اليونان، وبالتالي تدمير الحضارة التي كانت حجر الأساس في حضارة الغرب. ويعتبر المؤرخون بأن الفكر الفارسي المغرق في الأساطير كان سيقضي على الفكر المبني على المنطق التحليلي الذي أرساه فلاسفة اليونان. 

أما قصة «الميدوزا» فهي أسطورة اغريقية تقول بأن «الميدوزا» مسخ شعره من الثعابين، وكانت نظرة منها تكفي لتحويل البشر إلى حجر.

إيران في ظل ولاية الفقيه أصبحت «ميدوزا« الشرق الأوسط، ولو نظرنا إلى كل الأماكن التي مرت عليها النظرة واللمسة الإيرانية، من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن لفهمنا كيف حولت هذه اللعنة البشر إلى حجر، والحجر إلى عصف مأكول. 

إحدى ضحايا «الميدوزا« الإيرانية هي سوريا، وهي العمود الفقري لمشروع هلال الولي الفقيه. منذ البداية اتصفت علاقة الخميني بحافظ الأسد بالنوايا المضمرة والإستخدام المتبادل. كان الطرفان يواجهان عدواً مشتركاً هو صدام حسين، وكان حافظ الاسد مرتاحاً للمواجهة بين العراق وإيران، ولكنه بالوقت ذاته كان يحافظ على توازن مثير للسخرية بين علاقته بإيران وعلاقاته الخليجية. 

لكن هذه الصداقة الملتبسة مع إيران لم تخل من صراع بالوكالة أخذ طابعاً دموياً في لبنان. لقد كان حافظ الأسد يعتبر لبنان إقطاعاً خاصاً به، ولم يكن أبداً في وارد مشاركة إيران به. لكن لبنان كان حلقة أساسية في مشروع ولاية الفقيه لأسباب شتى أهمها وجود الشيعة بشكل واسع فيه. 

لقد كان الإجتياح الإسرائيلي سنة للبنان بمثابة المعجزة لمصلحة مشروع إيران. قضى هذا الإجتياح عملياً على وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، كما أن الجيش السوري المرابط في لبنان وسلاح طيرانه منيا بهزيمة ساحقة في المواجهات مع إسرائيل في تلك الحرب، وكان حافظ الأسد في فترة مرض نفسي وجسدي ووضع أمني وسياسي مضطرب في سوريا، مما زاد في الفراغ الكبير في السلطة على معظم الأراضي اللبنانية. 

لكن العام عاد وشهد نوعاً من الصحوة لنظام الاسد ترجم بالمواجهات في طرابلس مع ياسر عرفات اولاً ومن بعدها حركة التوحيد الإسلامي، التي تبين لاحقاً تبعيتها السياسية لولاية الفقيه، وقد انتهت المواجهة بعد سنتين بتسوية بين حافظ الأسد والخميني.

أما المواجهة الأخرى فقد كانت الحرب المفتوحة بين حركة «أمل«، أو ما تبقى منها موالياً لنبيه برّي، و«حزب الله« الذي أعلن وجوده سنة بعد بيانه التأسيسي الذي صرح بتبعيته الكاملة لولاية الفقيه.

هذه المواجهة كانت أهم فصولها حرب إقليم التفاح التي انتهت عملياً بالسيادة المسلحة الكاملة لولاية الفقيه على الجنوب. لكن حافظ الأسد كان لا يزال يحتفظ بأوراق أساسية أهمها أنه يسيطر على المعبر البري الإلزامي للتواصل بين طهران و«حزب الله«، كما أنه أعاد شرعنة سلطته على لبنان بعد اتفاق الطائف وبعد مشاركة سوريا بحرب عاصفة الصحراء مع الولايات المتحدة الأميركية.

كل ذلك دفع مشروعي الأسد والخميني إلى تسويات مبنية على تقاطع مصالح متعدد الأوجه من أمني وسياسي ومالي، لكن مشروع ضم لبنان إلى امبراطورية حافظ الاسد لم يكن ليتناسب مع رؤيا الولي الفقيه الذي يعتبر لبنان مستعمرة أساسية له. 

أتت وفاة حافظ الاسد سنة 2000 فرصة جديدة لإنعاش المشروع الإيراني. لقد أدرك أركان هذا المشروع من البداية هشاشة وفساد شخصية وريث حافظ الأسد، فتفاقم التغلغل الإيراني في المؤسسات الأمنية والسياسية في سوريا، ووقع النظام هناك بشكل شبه كامل تحت إدارة إيرانية من ضمن الشراكة حول لبنان. 

في العام دفع الحمق بشار إلى فخ مشاركة الولي الفقيه في اغتيال رفيق الحريري،فكان خروج جيش بشار من لبنان جائزة إضافية لـ»حزب الله«! فقد مالت كفة ولاية الفقيه بشكل فاضح بعد أن صغرت حصة بشار في الشراكة في لبنان، وخلا الجو للحزب ليصبح اللاعب الأكبر. في هذا الوقت كان بشار يتخبط وحيداً في نتائج عملية اغتيال رفيق الحريري وتبعاتها من اتهامات وعزلة إقليمية ودولية.

حزب الله كان ينسج واقعاً جديداً في لبنان مستفيداً من غياب الشريك السابق بعد أن حيده معظم اللبنانيين عن عملية الإغتيال، فدخل التحالف الرباعي وحكومة الوحدة الوطنية. 

لا شك أن هذا الواقع كان قد ازعج بشار الأسد إلى حد الشعور بالخيانة، ولكنه عض على الجرح فلم يكن له خيارات إيران وأتباعها. كان ذلك حتى ظهور مقال «دار شبيغل» الذي كان ميشال سماحة (مستشار بشار) قد سربه، حيث ظهر فيه لأول مرة اتهام صريح لعناصر قيادية من «حزب الله« بالقيام بعملية الإغتيال! من بعدها ذهب بشار الأسد إلى نسج اتفاق مع السعودية، عرف لاحقاً بعبارة «س ـ س»، وكان من ضمن بنوده غير المعلنة كيفية إنقاذ بشار وتعويمه سياسياً ودولياً مقابل، خروجه التدريجي من مشروع الولي الفقيه.

ما حدث بعد ذلك أصبح معروفاً، فقد تحولت سوريا إلى مستعمرة إيرانية، وتحول بشار الأسد إلى مجرد تابع عند الولي الفقيه، وبالطبع فإن الدمار والدم الذي وصلت إليه سوريا اليوم ما هو إلا نتيجة مباشرة لإمعان «الميدوزا« الإيرانية في منع أي تسوية مجدية تخرج سوريا من حمام الدم وتخرج بشار من الحكم. ولو نظرنا اليوم إلى كل الدول التي مرت عليها اللعنة الإيرانية لرأينا كمية الخراب التي خلّفتها!.

()عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»