حديث رجل بموقع رئيس الاستخبارات الأميركية السابق- مايكل هايدن -، عن أن الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فرساي وسايكس بيكو بعد الحرب العالمية الثانية، قد بدأت مرحلة الانهيار، وأن خريطة الشرق الأوسط أخذت تتغير. حديث لا يمكن تقييمه على أنه مجرد وجهة نظر، فهو تصريح لمسؤول رفيع لأقوى جهاز استخبارات عالمي، ويمتلك معلومات دقيقة وعميقة عن حالة الإقليم. مايكل هايدن قال بالنص الصريح: «سوريا لم تعد موجودة، العراق لم يعد موجوداً، ولن يعود كلاهما، لبنان يفقد الترابط، ليبيا ذهبت منذ مدة….. وهذا كله ليس استنتاجات، بل قواعد – حكمت وستحكم المرحلة القادمة.
وعندما يتكلم هايدن على أن سوريا والعراق، ذهبتا ولن يعودا. فهو يعني أنه لم يعد هناك وجود للدولة الموحدة، بل مجموعة من الدويلات الطائفية والعرقية. الرئيس اللبناني كميل شمعون سبق مايكل هايدن بثلاثين عاما ولكن مع إختلاف النوايا حين قال: إذا شاهدتم العراق يتقسم، فهذا يعني بداية مرحلة الدويلات الطائفية والعرقية في المنطقة، وليس في لبنان فقط.
تصريح مايكل هايدن عن ذهاب سوريا للأبد، ليس ببعيد عن قنبلة نائب وزير الخارجية الروسي عن الحل الفيدرالي كمخرج للأزمة السورية، وتواطؤ وزير الخارجية الأميركية جون بايدن مع هذا المقترح بالقول: سوريا يمكن أن تحكم تحت نوع من الفيدرالية الإدارية، وهذا لا يعني أنها دولة غير كاملة السيادة، وإن هذا يختلف عن تقسيم البلاد إلى مناطق ذات حكم ذاتي. هذه التصريحات متعددة المنصات من عواصم القرار حول الفيدرالية السورية، تجعل مشروع تقسيم سوريا إلى دويلات وولايات، خيارا دوليا.
بالتأكيد أجندات الكرملين والبيت الأبيض في سوريا، تختلف كليا. ولكن يبدو أن مصلحة الطرفين التقت في هذه اللحظة على تفتيت سوريا وتقسيمها، وتحويلها إلى مناطق نفوذ مختلفة.
بالنسبة لروسيا، كانت ترى في بداية الأزمة السورية، أن مصلحتها هي بقاء بشار الأسد في موقعه كرئيس لسوريا الموحدة، والحفاظ على رأسه كوريث لحافظ الأسد، غير أنه بعد سنوات من الأزمة السورية وتفاقمها، وبعد تدخل روسيا غير المباشر في الصراع السوري عن طريق الخبراء والمستشارين الروس، إصطدم الروس بالوقائع التي لا تأكلها النيران. وبدأت روسيا تتعامل مع الملف السوري، بما ينسجم مع مصالح دولة عظمى. فلم تعد إدارة بوتين تنظر إلى وحدة سوريا على انها هدف أساسي، وتولد لديها قناعة بأن الحل الأفضل، هو تقسيم سوريا، شريطة حصولها على مناطق جغرافية ذات أهمية إستراتيجية. وجاء التدخل الروسي العسكري في سوريا للحيلولة دون سقوط نظام بشار الأسد، وسقوط دمشق، وتحقيق توازن على الأرض بين المعارضة والنظام. وفي هذه الأثناء باشر القيصر بوتين بتحويل إرث القاعدة العسكرية السوفياتيه في البحر المتوسط السوري – التي فرضتها حاجة الرئيس حافظ الأسد لحماية نظامه العلوي من أي ثورة داخلية، إلى نفوذ كامل على 20% من الأراضي السورية – وهي المساحة الأكثر حيوية وإستراتيجية بالنسبة لموسكو سوريا المفيدة – حيث عزز الجيش الروسي حضوره في الجو والبر والبحر في محافظة اللاذقية وشاطئ طرطوس ومطار حميميم قرب القرداحة وهذا يعني نشوء دويلة علوية بحماية روسية كاملة نزولا إلى دمشق ومرورا بحماة وحمص. ولم يعلن بوتين، قرار الانسحاب الجزئي من سوريا، إلا عندما أنجزت آلته العسكرية ترسيم تخوم دولة سوريا المفيدة من الشمال، أما شركاؤه في مخطط سوريا المفيدة – إيران وذراعها حزب الله- فقد تولوا إغلاق حدود تلك الدويلة من الجنوب والغرب. بعبارة أخرى، لقد رسمت إدارة بوتين، خطوط تماس جديدة، قبل فتح الباب أمام التسوية السياسية، وحصلت على ضمانات أميركية، بعدم حصول تغير نوعي وإستراتيجي على موازين القوى بين المعارضة والنظام قبل أن يعلن بوتين قراره بالانسحاب من سوريا.
ماذا عن الموقف التركي من الفيدرالية في سوريا أو بالأحرى التقسيم، أنقرة قد تكون على استعداد للمساومة على كل شيء، باستثناء تحول الجنوب التركي إلى إقليم متمرد، أو جزء من الحالة الكردية الناشئة على مستوى الإقليم. هذا لا يشكل خطرا إستراتيجيا على أنقرة، بل خطر وجودي. فبمجرد نشوء كيان كردي في سوريا تحت مقص الفيدرالية، هذا يعني إشارة البدء بتقسيم تركيا التي لديها مشكلة مع الأكراد. لذلك سارعت تركيا إلى رفض خيار الفيدرالية قلبا وقالبا، وأعلن رئيس وزرائها من طهران، أن بلاده ترفض مشاريع تقسيم البلاد إلى دويلات، وأنها مع وحدة التراب السوري الوطني. الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي طار إلى واشنطن، والتقى الرئيس الأميركي باراك أوباما، قال إنه حدث تقارب في الموقفين التركي والأميركي بشأن أكراد سوريا، ودورهم في المعركة ضد تنظيم «داعش«. وأشار إردوغان إلى أن تركيا طرحت أسماء 2400 مقاتل عربي وتركماني مدربين من المعارضة المعتدلة للتصدي لداعش، وبالتالي لم يعد لدى الولايات المتحدة عذر للتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وحزب الإتحاد الكردي. وأضاف إردوغان، أن كلاً من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري وعداه بعدم السماح بإقامة دولة يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا.
في البداية كان الحل في سوريا سينجح، إذا تم توافق عناصر الصراع فيها، ولكن الآن الوضع انقلب تماما، فأي حديث عن الحل في سوريا لن يتم إلا بتوافق عناصر الصراع عليها، ولكن هل تنجح غالبية عناصر الصراع بتمرير مشروع الفيدرالية في سوريا على أنها بوابة الحل الوحيدة الممكنة!!!