روسيا السورية رابحة ومصدومة في آن. رابحة عسكريا وحاصلة على جوائز مهمة في اللعبة الجيوسياسية بينها قاعدتا حميميم وطرطوس. غير انها لا تستطيع إنهاء الحرب، وان أعلن الرئيس فلاديمير بوتين انجاز المهمة، ولا ترجمة الانتصارات العسكرية الى مكاسب سياسية تضمنها تسوية. ومصدومة ديبلوماسيا بصعوبة إرضاء أنقرة وطهران ودمشق والكرد والمعارضة في وقت واحد، وبصعوبة اقناع الأمم المتحدة وأميركا والمعارضين المشاركين في محادثات جنيف بالمشاركة في مؤتمر سوتشي، حيث المطلوب تسوية على قياس المصالح الروسية.
وروسيا التي أكدت بالملموس انها قوة عالمية بعدما وصفها باراك أوباما بأنها قوة اقليمية قلقة لأن واشنطن ترفض الإقرار بتشكل عالم متعدد الأقطاب حسب وزير الخارجية سيرغي لافروف. وخائبة الأمل لأن المؤسسة أو الدولة العريقة في أميركا أفشلت رهانها على الرئيس دونالد ترامب الذي وعد بأفضل أنواع التعاون مع موسكو، فلم يستطع منع وصول العلاقات الى أدنى المستويات السلبية.
وهكذا ينظر لافروف الى الوراء في العام ٢٠١٧ والى الأمام في العام ٢٠١٨، فيرى موسكو تعمل في ظروف صعبة على خلفية تصاعد التوتر في العالم لحماية مصالحها. ولا يرى سببا رئيسيا لتصاعد التوترات في العالم سوى استمرار سياسات الإملاء الأميركية التي تستخدم لغة الانذار والعقوبات وتنتهك القانون الدولي بفظاظة، من التصعيد حول كوريا الشمالية والاتفاق النووي الايراني الى مفاقمة الوضع في افغانستان ومناطق أخرى مرورا بمحاولات تضخيم ملف أوكرانيا بشكل مصطنع.
والواقع ان أكبر عقدة في توتر العلاقات هي الرفض الأميركي لإنهاء العقوبات المفروضة على موسكو بعد ضمّها شبه جزيرة القرم وتحريك التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا مقابل المطلوب منها في سوريا. والعقدة الجديدة هي قرار واشنطن إبقاء قواتها في منطقة شرق الفرات تمتد على ربع مساحة سوريا هي الأغنى بالموارد، وتشكيل جيش من ثلاثين ألف جندي نصفهم من الكرد والنصف الباقي من سواهم للانتشار على الحدود الشمالية مع تركيا والحدود الشمالية الشرقية مع العراق كما على الضفة الشرقية للفرات. وهذا ما تخوّف لافروف من ان يقود الى تقسيم سوريا. وما هدّد الرئيس أردوغان ب وأد ما سمّاه التشكيل الارهابي الخطر على تركيا. وما اعتبرته دمشق احتلالا أميركيا وخيانة وطنية من الكرد.
وكما عملت موسكو على زرع الشوك على طريق أميركا لدفعها الى التسليم بالشراكة معها، فان واشنطن تعرقل التسوية التي تحاول روسيا الانفراد بصنعها في سوريا. ومن يدفع الثمن الكبير هو الشعب السوري الذي صار مستقبل بلاده المدمرة مرتبطا بصراع القوى والمصالح الاقليمية والدولية.