ما تسرب عن لقاءات جون كيري الأخيرة مع بعض قادة المعارضة السورية في الرياض يشير إلى تهديدات أطلقها وزير الخارجية الأميركي ضد هؤلاء قال فيها إَّن الولايات المتحدة ستوقف دعمها لهم إنُهْم بقوا يصرون على مواقفهم ولن يقبلوا بإعادة تشكيل وفدهم إلى (جنيف3) ويوافقوا على ما تم الاتفاق عليه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يتمسك بصيغٍة في غاية السوء إْن وافق «المعارضون» عليها فإن هذا سيعني الاستسلام لنظام بشار الأسد والعودة إلى وضع ما قبل مارس (آذار) عام 2011.
وبالطبع فإن آخر ما قيل في هذا المجال هو أن المعارضة لن تذهب لا إلى (جنيف3) ولا إلى غيره وفًقا لوجهة النظر الأميركية الروسية هذه٬ وأنها لن تقبل بأي تغيير على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم ٬2254 وأنه إذا أراد الروس إشراك من يعتبرونهم معارضة داخلية فإن عليهم إدخالهم في وفد نظام بشار الأسد إن كمشاركين مثلهم مثل أعضاء الفريق المكون من «17» عضًوا برئاسة بشار الجعفري٬ وإن كمستشارين لهذا الفريق وبالصفة التي يريدونها.
والحقيقة أَّن المعارضة السورية٬ التي غدت بعد مؤتمر الرياض العتيد تكويًنا واحًدا٬ سياسًيا وعسكرًيا٬ قراره واحد وكلمته واحدة باتت تشعر أَّن الأميركيين ليس خذلوها وتخلوا عنها وفقط بل وتآمروا عليها٬ وهنا فالمفترض أنه بات واضًحا أن هناك اتفاقا روسيا أميركًيا على هذا الصعيد وأن واشنطن لم تكتف بالتخلي عن مواقفها السابقة ووضع نفسها في القاطرة الروسية٬ بل هي أيًضا لم تعد تتورع عن ممارسة ضغٍط حقيقي على الأطراف العربية والأوروبية المعنية مباشرة بهذا الصراع لحملها على الاقتراب من وجهة النظر الروسية.
يريد الروس حتى الآن٬ نْسف قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254 وتغيير تركيبة وفد المعارضة الذي تم تشكيله وفًقا لهذا القرار والمعروف أنهم٬ أي الروس٬ كانوا نسفوا (جنيف1) في (جنيف2) بحجة أَّن الأولوية يجب أن تكون لمقاومة الإرهاب وليس لتغيير نظام بشار الأسد٬ وحقيقة فإنهم نجحوا في هذا والدليل هو أَّن جون كيري بات بالنسبة لكل هذه الأمور تابًعا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف٬ بل وأكثر حماًسا منه للعبة الاتفاق على تشكيل ما يسمى:
«حكومة وحدة وطنية» التي كان طرحها الإيرانيون منذ البدايات وبقي وزير خارجية هذا النظام وليد المعلم يتمسك بها للتهرب من الاستحقاق الذي دفع الشعب السوري من أجله كل هذه التضحيات الجسام.
والملاحظ في مجال إثبات أَّن هناك تحولاً فعلًيا وحقيقًيا في موقف واشنطن تجاه ما يسمى: «الأزمة السورية» ولحساب الروس ونظام بشار الأسد أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قد أطلق تصريًحا خلال زيارته الأخيرة لتركيا قال فيه إن «الولايات المتحدة ستلجأ إلى العمل العسكري إذا فشلت الحلول السياسية في سوريا» لكن هذا التصريح ما لبث أن تغير بعد تدخٍّل عاجل من إدارة الرئيس باراك أوباما٬ وأصبح إن «أميركا ستلجأ إلى العمل العسكري ضد (داعش) في سوريا» وكأنها لم تلجأ إلى العمل العسكري ضد هذا التنظيم الإرهابي حتى الآن ولم تشكل هذا التحالف الدولي الذي يواصل غاراته الجوية على دير الزور والرقة وعلى كثير من مواقع «داعش» في العراق.
ألا يعني هذا يا ترى أَّن مع المعارضة السورية الحق كله عندما تتحدث عن انقلاب في الموقف الأميركي لحساب وجهة النظر الروسية التي بات واضًحا أن هدفها ومنذ البدايات هو إعادة صياغة نظام بشار الأسد٬ وإعادة تكريسه مرة أخرى ومن جديد٬ وهو القضاء على هذه المعارضة وعلى غرار ما جرى بعد مذابح حماه الشهيرة في عام ٬1982 حيث تواصل هذا النظام في عهد الأب وعهد الابن منذ ذلك الحين وحتى الآن؟!!
لقد اعترض الروس٬ بالإضافة إلى اعتراضاتهم الكثيرة٬ على وجود عسكري هو العميد الطيار أسعد الزعبي على رأس وفد المعارضة السورية إلى (جنيف3) ووجود أحد قادة جيش الإسلام في هذا الوفد بل وهم٬ أي الروس٬ قد اعترضوا وما زالوا يعترضون على مشاركة التنظيمات المسلحة في العملية السياسية المتعثرة لحل الأزمة السورية٬ وهذا يعني أن موسكو تريد تفجير هذه المعارضة من الداخل٬ وأنها تريد أيًضا دفع هذه التنظيمات إلى مزيد من التشدد٬ وربما إلى التحالف مع «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» وباقي التنظيمات الإرهابية.
وهنا فإن المفترض أنه معروف أَّن التنظيمات المسلحة٬ التي أصبحت منضوية في المعارضة السورية (المعتدلة) على أساس مؤتمر الرياض٬ الذي كان بمثابة نقلة نوعية هائلة بالنسبة لهذه المعارضة٬ قد حَّذرت من أن الذهاب إلى (جنيف3) وفًقا لما يطرحه الروس والأميركيون سيعني خروجهم الفوري من هذا الإطار المعارض مع الاستمرار بالتصعيد العسكري والاستمرار بمواجهة «التدخل الروسي» ومواجهة الإيرانيين وحزب الله٬ وبالطبع بمواجهة هذا النظام حتى إسقاطه والقضاء عليه.
ويقيًنا أنه إذا نفذ الروس والأميركيون ما يصرون عليه فستكون هناك خريطة سياسية وعسكرية جديدة في سوريا٬ وأنه غير مستبعد أن يكون هناك تحالف بين كل هذه التنظيمات المسلحة٬ التي كلها (معتدلة) حتى الآن٬ وبين «النصرة» وأيًضا ربما «داعش» و«القاعدة» وكل هذا٬ ويجب أن يكون معروًفا أن العرب السنة في هذا البلد المنكوب الذي يشكلون أكثر من 70 في المائة من شعبه٬ من غير المستبعد أن يتحولوا إلى بيئة حاضنة للإرهاب٬ وعلى غرار ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأميركي في عام ٬2003 وبعد المعادلة البائسة المعروفة التي فرضها سيئ الصيت والسمعة بول بريمر ومعه الذين اعتبروا أنفسهم منتصرين على الشعب العراقي وعلى بلاد الرافدين.
يجب أن يكون معروًفا ومنذ الآن أَّن تمرير اللعبة الروسية الأميركية بالقوة وبالتهديد والوعيد وفرض هذا الاتفاق الأميركي الروسي على المعارضة السورية٬ سيعني تحول سوريا إلى عراق جديد وإلى قاعدة كبيرة لتنظيم داعش٬ الذي نما وترعرع في البيئة التي استجدت بعدما تعرض العرب السنة في العراق إلى ما تعرضوا إليه٬ والذي ما زالوا في حقيقة الأمر يتعرضون إليه في «المقدادية» وفي «ديالى» وفي مناطق كثيرة من بلاد الرافدين.
مرة أخرى يجب أن يكون واضًحا ومعروًفا منذ الآن أَّن سنة سوريا سيشعرون بمرارة ما بعدها مرارة٬ إن استطاع الروس والأميركيون تمرير هذه اللعبة الخطيرة التي يلعبونها الآن وإعادتهم إلى بيت طاعة هذا النظام الاستبدادي بعد كل هذه التضحيات التي قدموها خلال الأعوام الخمسة الماضية٬ وبعد كل هذا التشريد وكل هذه الويلات.. إَّن بديلهم سيكون «داعش» وسيكون التنظيمات الإرهابية وعلى أساس ذلك المثل القائل: «لا يدفعك إلى المِّر إَّلا الأمر منه»!!