Site icon IMLebanon

سوريا واليمن تطيحان.. صورة نصرالله

أعادت الايّام الماضية، وما حملته من تطورات سياسيّة وميدانيّة في كل من سوريا واليمن، خطابات الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصرالله الى الواجهة. في قديم زمان «حزب الله« كان اذا وَعَدَ السيّد صَدَقْ. حتى أن قناة «المنار» صنعت طوال سنوات الكثير من «السكيتشات» لترسّخ «الوعد الصادق» في اللاوعي الجماهيري (هنا قال السيد كذا، وهنا صدق بقوله). إلّا أن سنوات الحرب في سوريا وشهور المعارك في اليمن، ضربت صورة «سيّد المقاومة»، الذي إن وَعَدَ صَدَقْ. وما شهده هذان البلدان في الأيام القليلة الماضية، أثبت أن الواقع مغاير لما تحدّث عنه صاحب الوعود، ما يزيد من هدم الصورة والثقة عند جمهوره وجمهور خصمه، حتى إن لم تظهر عياناً بسبب الانقسامات المذهبيّة الحادّة.

خرج السيّد في خطابه الأخير لينفي كل ما حُكي ويُحكى عن اتفاق أميركي- روسي بما خصّ سوريا. جيّدجداً، لكن مَن كان أول من هلّل لهذا الاتفاق؟ في الأيام القليلة الماضية، تخلّت المنظومة الاعلامية لـ»حزب الله« عن الخجل من الحديث عن اكتمال الاستعدادات لحرب اميركية ـ روسيّة ـ ايرانيّة ـ سوريّة مشتركة في سوريا. لماذا يتنصّل نصرالله من كلام منظومته الاعلاميّة؟ ربما هي حاجته للتمسّك بمشروعيّة محاربة «الشيطان الأكبر»، وبخطاب عاش عليه جمهوره طوال 30 عاماً وقدّم التضحيات لأجله. فأيّ حديث عن تنسيق إيراني – روسي- أميركي من شأنه أن يزعزع ايمان الجمهور والذين توجّهوا الى سوريا لمحاربة المشروع «الأميركي- الصهيوني». حتى أنّ اللبنانييّن لم ينسوا أنّ «حزب الله« اعتصم في وسط بيروت عامين وأطلق حربه على العاصمة والجبل في 7 أيار باسم العداء لأميركا وعملائها. ونسف نصرالله كافة التصريحات الاسرائيلية والروسية حول التعاون في سوريا لضمان أمن اسرائيل، واضعاً زيارة نتنياهو الى موسكو ولقاءه الرئيس بوتين في اطار الاستطلاع عن قرب وأخذ الضمانات بأنّ لا يصل السلاح الروسي الى «حزب الله«. لكن لنصرالله مقولة شهيرة اعتاد أن يخاطب بها «14 آذار»: «عودوا الى الصحف العبرية والاسرائيلية.. المحلّلين الاسرائيليين عم يحكوا مش انا». فليَعُد السيّد اذن للصحافة العبرية، حيث كشفت صحيفة «ميكور ريتون» اليمينية، والمقربة من دوائر الحكم في تل أبيب، أن «بوتين كان متحمساً لزيارة نتنياهو، بسبب تقديره بأنه يمكن أن يكون لإسرائيل دور رئيسي في مساعدة روسيا في تنفيذ مهامها في سوريا». وأشارت الصحيفة الى أنّ «الروس أبلغوا الاسرائيليين بأنّ تحرّك موسكو يأتي في ظلّ تنسيق مع الأميركيين والاوروبيّين». وتضمن التنسيق الاسرائيلي ـ الروسي، بحسب الصحيفة، تحديد الاماكن التي ستعمل فيها القوات الايرانيّة داخل سوريا ضدّ قوى المعارضة المسلحة، وابلاغ اسرائيل بها خشية وقوع احتكاكات غير مناسبة». هكذا بالحرف! 

انتقل السيّد الى ملف الزبداني، القرية التي «يمرّ« فيها طريق القدس، مقدّماً لجمهوره نصراً وهميّاً. فنصرالله، أحد أبرز صُنّاع ثقافة الإنتصارات الالهيّة، يقول، إنه « عندما ربطت الجماعات المسلحة ملف الزبداني ببلدتي الفوعة وكفريا، اعتبرنا الأمر فرصة وحمينا البلدتين»! فعلاً ؟ يبدو أن السيّد أخفق هذه المرة في صناعة الانتصارات. فالحقائق التي أظهرتها معركة الزبداني أسقطت ورقة «التوت الشامي» عن الحزب وعرّته أمام جمهوره وخصومه : 

أولاً، دخول السيّد، أو الوسيط الايراني، كما قال، في مفاوضات مع المجموعات المسلّحة، يعني في أحسن الحالات نجاح هدف «جيش الفتح« المعلن. فـ «جيش الفتح« قالها صراحةً: «إننا نهاجم الفوعة لنضغط على الحزب»، ما يعني أنه حقق هدفه من الضغوط«. 

ثانياً، إنّ السيّد الذي اتّهم سابقاً دولاً اقليميّة بتحويل الصراع السّوري الى صراع مذهبيّ، أثبت أنه يتعامل مع الجغرافية السّورية على أساس مذهبيّ بحت. أثبت أن دماء الشيعة في الفوعة أهم بكثير من دماء ملايين السورييّن الذين تتساقط عليهم البراميل والحاويات المتفجّرة. لا بل أكثر من ذلك. فهذا يعني أن نصرالله لم يشعر في سنوات الحرب السّورية أنه تحت ضغط إلا عندما حاصر «جيش الفتح» قرية شيعية.

ثالثاً، كلام السيّد يعني أنه فاوض التكفيريّين ورضخ لشروطهم. فلماذا يتكبّر على التفاوض بخصوص العسكرييّن اللبنانييّن؟ لماذا منع الحكومة اللبنانيّة من التفاوض لاسترداد العسكريين؟ قد يجيز ذلك لأهالي العسكرييّن أن يزعموا بأنّ أصلهم من الفوعة أو كفريا أو النبل أو الزهراء، ربما يسمح ذلك للسيّد بالتفاوض لأجلهم. 

رابعاً، أثبت السيّد أن اسطورة «رجال الله« قد انكسرت، وصار من الواضح أنّ «رجال الله» لم ينتصروا في القصير ويبرود، بل انتصر الأسلوب الاسرائيلي الصرف في تدمير كل ما لا يقدر على اقتحامه. يحتاج صمود بضع مئات من المقاتلين في قرية سوريّة واحدة (الزبداني) لأكثر من 3 أشهر، الى ظهور إعلامي يرفع المعنويات. فهناك انتصرت العقيدة القتالية للسوري المستضعف الضعيف التسليح، والذي تلتقي ضدّه كلّ الأضداد من الكرملن الى البيت الأبيض. 

يمنيّاً، تواضع نصرالله، صاحب موقولة «دلّوني على انجاز واحد حقّقته السعودية»، ليعتبر ان «ما حصل في عدن هو انجاز، ولكنه لم يَحسم المعركة». ألم يقل السيّد في خطاب «التضامن مع اليمن المظلوم»، «إن اي تسوية سياسية لا يمكنها إعادة هادي الى اليمن»؟! ها هو الرئيس هادي قد عاد دون اي تسوية سياسية وقبل الحديث عن اي حل سياسي. كما ان السيّد قال، «إن السعودية لم تحسم المعركة»، وهذا يعني انه لم يجزم، كعادته، بعدم حسم المعركة. إلا أن أكثر ما يلفت هو في قول نصرالله ان «قوة الجيش السعودي هي عبر الجو فقط» ! ماذا يقول اذاً عن الجيش السوري و«حزب الله« والميليشيات العراقية والباكستانية والافغانية، التي تراجعت في مساحات واسعة من سوريا، على الرغم من سلاح الجو والبراميل المتفجرة وسياسة التدمير الممنهجة التي انتهجها هذا المحور؟

سوريا واليمن أطاحتا صورة نصرالله الذي إن وَعَدَ صَدَقْ. مع كل خبر يأتي من هذين البلدين يتهشّم شيء من السيّد. سيصبح مجرّد تذكّر وعوده وكلامه مثار تندّر لدى البعض، ومحل نقاش داخلي «صامت» لدى البعض الآخر. مع كل اطلالة لـ»سيّد المقاومة»، تنكسر صورة وينكسر تفاضل اخلاقي بنى عليه «حزب الله« قيمته السياسية. فالسيّد الذي طالما وصف «14 آذار» بـ»جماعة فيلتمان»، بات في خندق سوري واحد مع الروسي والأميركي، اللذين يعملان على ضمان أمن اسرائيل (هذا ما يقوله مسؤولو البلدين).

في بداية الثورة السورية، خرج «حزب الله« من يصف المشاركة في الحرب بـ»المناورات الحيّة» لاقتحام «الجليل» ! قد تعني معركة الزبداني شيئاً لحزبٍ توهّم أنه في نزهة على «طريق القدس». 

«الصراع السوري طويل، لكن يبدو ان زمن الانتصارات انتهى من اليمن»، يقول احد الزعماء اللبنانيين في مجلسه الخاص.