Site icon IMLebanon

سوريا بين «الدب» و«العمامة» و«الحمار الديموقراطي»

لو كان المرشد آية الله علي خامنئي يسافر الى خارج إيران، لكان في موسكو قبل اليوم بكثير، لملاقاة «القيصر» فلاديمير بوتين، ولم ينتظر انعقاد «منتدى الدول المصدرة للغاز» في طهران. أسئلة كثيرة لدى المرشد إجاباتها عند «القيصر». التحالف الإيراني الروسي، متين وقوي حالياً. سوريا وأوكرانيا، جعلا التحالف المعمد بالدماء والمصالح الاقتصادية والسياسية، قوياً ومتيناً.

لكن الشك والحذر، طبيعة عند المرشد، نتيجة لنشأته ومساراته، فكيف إذا كانت تستند في حالة العلاقات الروسية – الإيرانية إلى تجارب تاريخية سلبية؟

لا شك أن ما يجمع بين موسكو وطهران حالياً، أكبر وأعمق وأغنى مما يفرقهما. لكن في قلب ما يجمع بينهما الكثير من الأسئلة الألغام المستقبلية، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات حيث يمتزج التصعيد العسكري بتحرك «قطار» الطروحات العديدة والمتناقضة حول الحل في سوريا، وما يتعلق بأوكرانيا يفعل حركة التيارات السياسية الخارجية التي أنتجت حوارات وحتى التعاون بين موسكو وأوروبا بعد صدامات بالوكالة أو في أروقة الهيئات الدولية.

قبل أيام من لقاء «القيصر» مع المرشد، مررت وكالة «ايرنا»، تعليقاً سياسياً عنوانه طريف جداً هو: «الأسد بين الدب والحمار». المقصود الدب الروسي، و«الحمار« رمز الحزب الديمقراطي الأميركي. حيّد العنوان «العمامة» الايرانية التي جعلها المرشد تتسع للمتناقضات من أجل سوريا واليمن. عملياً شدّدت طهران على أن زيارة بوتين: «زيارة تاريخية طابعها اقتصادي ومضمونها استراتيجي من حيث الزمان والمكان وهدفها بلورة موقف مشترك عبر إيجاد حل للأزمة السورية». وفي نهاية لقاء «القيصر» بالمرشد جرى التأكيد أن «وجهة نظرهما موحدة بينهما تجاه سوريا».

من الطبيعي والضروري، أن يؤكد الزعيمان وحدة موقفهما. لكن في الواقع لدى المرشد أسئلة كثيرة حول سوريا، لأن موقع كل طرف منهما يفرض الخلاف.

*المرشد الايراني، طموح جداً ويريد أن يجعل إيران لو استطاع دولة عظمى. لكن بين الطموح والواقع مسافة طويلة. إيران يمكنها أن تكون دولة إقليمية كبرى لها كلمة مسموعة في مواقع كثيرة بينها النفط والغاز. المرشد يعتبر سوريا «معركته» والأسد «الخط الأحمر» الذي قدّم ويقدّم من أجل بقائه، حياة خيرة جنرالاته وأفضل ما أنتجته الثورة وهو «حزب الله». حجة المرشد ان سوريا «الحديقة الخلفية» للثورة وللدولة الإيرانية، وانها ممر ضروري وإجباري لبقاء واستمرار حزب الله وبالتالي حضوره على الحدود الايديولوجية والسياسية مع إسرائيل. ليس لدى المرشد الكثير ليقايضه في سوريا. طبعاً الأسد في قلب هذه المعادلة، لكن لا شيء مستحيلاً أمام مصالح الدول. العامل الأساسي هو الثمن. المرشد يريد أن يتجاوز الثمن الحاضر وأن تمتد أسهمه من دمشق الى صنعاء.

من ضمن المصالح والأثمان يريد «المرشد» رفع «ثمنه» روسياً، أي الحصول على ما يحتاجه من السلاح وخصوصاً التقنيات الروسية التي تجعله متقدماً عبر النسخ والتطوير تماماً كما الصين وصناعتها. أيضاً الاتفاق نهائياً حول بحر قزوين وحوضه الغني بالنفط والغاز. كل هذه الاتفاقات ستقفز بالعلاقات الروسية الايرانية من مليار ونصف المليار دولار الى 37 مليار دولار في السنة.

*«القيصر»، يريد تحقيق تقدم حقيقي في سوريا، تأكيداً منه لموقعه الجديد في العالم المتعدد الأقطاب بعد انتهاء الأحادية الأميركية مما يجعله «شريكاً« في المشاكل والحلول الدولية. بذلك تتقزّم قضية أوكرانيا «حديقته الخلفية»، ويتم حلها نهائياً لمصلحة روسيا الجديدة. أما بالنسبة لسوريا، فإن الحل السياسي بكل شروطه وتعقيداته مطاط جداً ويتسع للمواقف أكثر مما تتسع «عمامة» المرشد بكثير. حتى الآن نجح «القيصر» في فرض وجوده في سوريا، كل يوم جديد يثبته ويؤكد قدراته على فرض ما يريده. الأسد بالنسبة له ليس أكثر من «حصان» على رقعة الشطرنج. حالياً يحرك أحجاره ببراعة الى درجة «الشراكة» مع المرشد، والتحالف مع إسرائيل قائم على اتفاقات مستقبلية وضمانات تفرض الكثير من الأسئلة والارتياب، وأخيراً على التعاون مع الاختلاف حول الشروط النهائية لكن القابلة للنقاش والتفاهم مع الرئيس باراك أوباما أو «الحمار الديموقراطي« كما مررت صورته طهران.

*الرئيس باراك أوباما تحوّل الى «إيراني« في تعامله مع طهران وموسكو، أي أنه أصبح «يذبح بالقطنة»، بعد أن تخلى عن سياسة صواريخ الكروز العابرة للمحيطات. حسم أوباما موقفه من بقاء الأسد قبل 24 ساعة من وصول «القيصر» الى طهران إذ قال: «أخلاقياً وعملياً لا يمكن بقاء الأسد». كلام أوباما عن «أخلاقية عدم بقاء الأسد» خطاب للداخل الأميركي الذي لا يوجد أميركي يرفضه لأنه من طبيعة تكوينه وحياته. حتى ولو تحدّث المرشد أو غيره عن عدم «أخلاقية» الولايات المتحدة الأميركية. بعد هذا الرفض النهائي لبقاء الأسد وضع أوباما أسس الحل التي لا يمكن «للقيصر« إلا القبول بها وهي: «الانتقال السياسي السلس والمحافظة على مؤسسات الدولة ومع حكومة انتقالية مقبولة«.

لن تظهر نتائج قمة «القيصر» والمرشد فوراً. كل الكلام والتصريحات لن تكشف الكثير، لكن المؤكد أن «القيصر» أمامه الكثير ليقنع حليفه المرشد، بالواقع بعيداً عن الأوهام بأن «الحرب اليوم هي حرب إرادات»، فالحرب اليوم هي مواجهات بين الإمكانات والقدرات.