IMLebanon

سوريا بين الواقع والاوهام

 

هناك مقطع في غاية الاهمّية يختم بيانا صدر منتصف الشهر الجاري عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في الذكرى الثامنة لاندلاع الثورة الشعبية على النظام القائم في سوريا. لا يترك هذا المقطع مكانا للاوهام التي يتشبث بها اولئك الذين يعتقدون ان هناك مستقبلا للنظام الاقلّوي في سوريا او انّ الصراع في سوريا انتهى. إضافة الى ذلك، تؤكّد الدول الأربع بشكل قاطع انّ لا مساهمة في إعادة اعمار سوريا في غياب عملية سياسية حقيقية. لم يقل البيان مباشرة انّ هذه العملية السياسية لا اهمّية لها اذا لم يتغيّر النظام الذي على رأسه بشّار الأسد، لكنه لا يترك مجالا للشكّ في انّه ستكون هناك ملاحقة قانونية لرئيس النظام السوري الذي يبدو واضحا انّه لا يعي حقيقة ما حدث ويحدث الآن في سوريا وما على المحكّ فيها.

 

تضمّن المقطع المهمّ الذي تختتم به الدول الأربع بيانها الآتي: «تؤكد حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مجدداً دعمها لعملية جنيف بقيادة الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 2254 لإحلال السلام والاستقرار في سوريا، وتعزيز المكاسب التي تحققت عبر تحرير الأراضي من داعش. وسوف نواصل سعينا للمحاسبة عن الجرائم المرتكبة خلال الصراع في سوريا لتحقيق العدالة والمصالحة للشعب السوري. كما نؤكد بوضوح أننا لن نقدم أو ندعم أي مساعدة لإعادة الإعمار إلا بعد انطلاق عملية سياسية جوهرية وحقيقية وذات مصداقية ولا رجعة فيها. ويجب على روسيا وسوريا احترام حق اللاجئين السوريين بالعودة الطوعية والآمنة إلى ديارهم، والتوقف عن ادعائهما أن الظروف باتت مناسبة لإعادة الإعمار والتطبيع، وندعوهما للمشاركة جديا في المفاوضات التي هي وحدها الكفيلة بإحلال السلام في سوريا».

 

من الواضح انّ البيان، الموجود بالعربية والانكليزية على موقع السفارة الاميركية في دمشق، استهدف وضع النقاط على الحروف، خصوصا لدى أولئك الذين يتحدثون عن الموضوع السوري من منطلق انّ الامور استتبت للنظام وان في استطاعة النازحين واللاجئين السوريين العودة الى بيوتهم واراضيهم. قبل كلّ شيء من هو ذلك الساذج الذي يعتقد ان النظام، الذي يبني سياسته على التخلّص من اكبر عدد من السنّة في سوريا، يريد عودة اللاجئين والنازحين؟

 

تضّمن البيان الاميركي – الفرنسي – الألماني – البريطاني أرقاما مخيفة عن عدد اللاجئين والنازحين اذ جاء فيه: « إننا نقدّر الرجال والنساء الشجعان من أنحاء المجتمع السوري المتنوع الذين بذلوا جهودا لأجل تحقيق مستقبل أفضل لجميع السوريين. كما نتذكر الأعداد التي لا تحصى من المدنيين الذين فقدوا أرواحهم نتيجة التعذيب والجوع والاعتداءات من النظام وداعميه. فقد قُتِل أكثر من 400,000 من الرجال والنساء والأطفال، واختفى عشرات الآلاف في سجون الأسد حيث تعرض الكثير للتعذيب والقتل. وما زالت أعداد لا تُحصى من العائلات ليست لديها أنباء عن أقاربها الذين اختفوا، ولا تعلم مصيرهم.

 

بينما يحاول نظام الأسد وداعموه إقناع العالم بأن الصراع قد انتهى، وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، فإن الواقع هو أن قمع النظام للشعب السوري لم ينته بعد. فهناك نحو 13 مليون سوري بحاجة الآن إلى مساعدات إنسانية، ويحرم النظام الكثير منهم من وصول آمن ودون عراقيل للمساعدات الإنسانية. كما إن ما يربو على 11 مليون شخص – أي نصف تعداد السكان ما قبل الحرب – باتوا نازحين وغير قادرين على العودة إلى بيوتهم. وأيضا ازدادت حدة العنف حديثا في إدلب، وحصدت الضربات الجوية أرواح مدنيين وموظفي إغاثة.

 

إن الحل العسكري الذي يأمل النظام السوري في تحقيقه، بدعم من روسيا وإيران، لن يؤدي إلى إحلال السلام. بل إن الوصول إلى حل سياسي تفاوضي هو السبيل الوحيد لإنهاء العنف والصعوبات الاقتصادية، إلى جانب ضمان تسوية دائمة للصراع. والحل السياسي هو وحده الكفيل بتوفير ضمانات لجميع مكونات المجتمع السوري، وكذلك للدول المجاورة لسوريا».

 

هذا هو الواقع السوري بكلّ بساطة. هل من يريد التعاطي مع هذا الواقع ام العيش في الاوهام. ان ايران تعمل من اجل البقاء في سوريا معتقدة ان في استطاعتها ان تكون دولة على تماس مع إسرائيل، عبر الجولان وعبر جنوب لبنان أيضا، فيما لا يوجد من يريد شراء الانتصار الروسي في سوريا. تظنّ ايران انّ لديها أوراقا قويّة في سوريا ولبنان وانّها صارت دولة متوسطية بعدما تحكّمت ببيروت واعتبرتها عاصمة عربية ساقطة عسكريا وسياسيا، خصوصا منذ غزوة «حزب الله» للمدينة في الثامن ايّار – مايو 2008.

 

عاجلا ام آجلا، ستكون هناك عودة الى جوهر المشكلة في سوريا. جوهر المشكلة هو في رفض الأكثرية السورية لنظام لم تكن له شرعية في ايّ يوم. قام هذا النظام، الذي في أساسه انقلاب عسكري في الثامن آذار – مارس 1963، على فكرة الانتقام من السوريين باكثريتهم الساحقة. كان هناك انتقام من السنّة، خصوصا من سنّة المدن، خصوصا في مرحلة ما بعد الانقلاب الذي نفّذه الضباط العلويون في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966  تمهيدا لاحتكار حافظ الأسد للسلطة ابتداء من السادس عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 1970. لم يقتصر انتقام النظام، الذي ينادي بحلف الأقليات المدجّنة من السنّة، على سنّة المدن بل شملت حملته المسيحيين السوريين، ثم المسيحيين اللبنانيين، إضافة الى الاسماعيليين والدروز حيثما وجدوا. لا يزال يريد ان يشفي غليله من الدروز. لم يكتف باغتيال كمال جنبلاط في السادس عشر من آذار – مارس 1977  ليس بعيدا عن عرينه في المختارة.

 

مهما حارت الايّام ودارت، لا مفرّ من النظر الى سوريا من زاوية تتجاوز النازحين واللاجئين وإعادة الاعمار. لا تزال قضية سوريا طويلة ومعقّدة ولا تزال الأسئلة المطروحة كثيرة. لكن السؤال الأكبر يبقى مرتبطا بنظام لا شرعية من ايّ نوع له. هذا ما لم تستطع ايران فهمه في يوم من الايّام. هذا ما عملت روسيا على تجاهله من منطلق انّ هناك مؤسسات في الدولة السورية يمكن البناء عليها، على رأسها الجيش السوري.

 

في النهاية، لو كان لدى النظام ايّ شرعية من ايّ نوع، ولو كان نظاما قابلا لحياة، هل كان استند في كلّ ما يقوم به الى انّه حارس امين لإسرائيل في الجولان وانّه يتفق معها في كلّ ما تبحث عنه بدءا باستمرار حال اللاحرب واللاسلام الى ما لا نهاية…

 

تبقى نقطة أخيرة يحتاج اللبنانيون الى استيعابها قبل غيرهم. تتمثل هذه النقطة في ان نظام بشّار الأسد لا يريد عودة السوريين الى سوريا من جهة وان لا وجود لعملية إعادة اعمار سوريا قبل رحيل رئيس النظام من جهة اخرى. وحدهما أوروبا وأميركا يمتلكان المال لاعادة الاعمار. ايران مفلسة، كذلك روسيا… امّا الصين فهي في غاية الحذر عندما يتعلّق الامر بقضية معقّدة مثل القضيّة السورية معروف كيف بدأت وليس معروفا كيف يمكن ان تنتهي.