Site icon IMLebanon

سوريا بين النموذجين اللبناني والعراقي

 

المحاصصة السياسية وفقاً «للنموذج اللبناني المعدّل» معادلة تختصر ما يعرضه المجتمع الدولي في الجولة الحالية من المفاوضات في جنيف لتسوية المسألة السورية. النموذج اللبناني انتقل إلى القاموس الدولي ليصبح مفهوماً جديداً معتمداً في التسويات السياسية، بل نوعاً من الأنظمة السياسية يُدرج إلى جانب الملكية الديمقراطية والديمقراطية البرلمانية والنظام الرئاسي والمجلسي. أجل المجتمع الدولي معجب بهذا النموذج المرن، القابل لاستيعاب كلّ أنواع التقاسم السياسي والفساد، وتجاوز حدود السلطات وعدم تطبيق الدستور وانهيار المؤسسات، وتجاهل المصلحة الوطنية، وتعثّر أجهزة الرقابة. هذا النموذج هو وصفة جاهزة للوصول إلى وطن متعثّرٍ فاشلٍ سياسياً ومنهار إقتصادياً وعاجز عن اتّخاذ أي قرار، وطن يقوم على علاقة جدلية بين دستوره وسياسييه واللاعبين الإقليميين بحيث يُنتج كل عنصرٍ منهم العنصرين الآخرين، وهو بحاجة دائمة إلى المؤسسات الدولية والصناديق على اختلاف أنواعها للإستدانة، بمعنى آخر نموذج لدولة مارقة وإنما غير قابلة للإنفجار لا دور لها غير موجودة في ميزان القوى الإقليمي. هذا هو العرض المقدّم من قِبل المبعوث الدولي، ليس على مستواه الشخصي طبعاً، عرض يستند إلى الدستور السوري ويقضي  بتعيين ثلاثة نواب للرئيس وربما خمسة وتفويضهم صلاحيات أمنية وسياسية وثقافية، طبعاً توقيت ومجال استعمال هذا التفويض يتوقّف على رغبة الرئيس، إضافة إلى تشكيل حكومة موسّعة من موالين ومعارضين ومستقلين. هذه التسوية تواكبها نتائج الإنتخابات التي جرت خلال الأسبوع المنصرم في سوريا والتي فاز فيه حزب البعث بغالبية بـ 200 مقعد من أصل 250 في مجلس الشعب، بالرغم من وجود أكثر من أربع ملايين لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا. وبهذا المعنى فإنّ هذا البرلمان المُنتخب هو الذي سيمنح الثقة للحكومة الموسّعة، والدستور المعمول به حالياً سيمنح الرئيس مجدداً صلاحية تحديد مهام وحقوق نواب الرئيس برغم إعلان الوسيط الدولي ديمستورا أنّ الإنتخابات التي يعترف بها هي التي تجري بموجب القرار الدولي 2254 أي خلال 18 شهراً من مباشرة العملية السياسية.

«النموذج اللبناني المعدّل» هو حصيلة أكثر من عشرين عامأ من الإنحدار السياسي عاشتها تجربة التسوية اللبنانية لتؤول إلى ما وصلت إليه. التسوية اللبنانية أنتجت دستور الطائف الذي أنهى القتال وحلّ الميليشيات، ووضع صيغة لبناء الدولة وعمل المؤسسات وتعاونها واستقلالها وآلية لإلغاء الطائفية السياسية. النظام السوري الذي خصّه إتفاق الطائف بأكثر من مادة من مواده لتنظيم خروجه، تمكّن من التجذر في مفاصل الحياة السياسية اللبنانية وانشأ طبقة تقاسمت الدولة تحت رعايتة. الأكثريات والأقليات السياسية في لبنان تحوّلت بين مطرقة النظام الأمني وسندان المصالح الشخصية إلى شراذم في اصطفافات مذهبية بنكهة إقليمية أحياناً ومحليّة أحياناً اخرى، ولم تستطع الزعامات السياسية في لبنان وبرغم فداحة الإغتيالات التي عرفها لبنان التحرر من ثقل الإرتهان للإقليم برغم الإنقسام السياسي العامودي لأنّ وشائج الفساد وتقاطع المصالح كانت أقوى. أجل يريدون لسوريا حصيلة ما أوصلنا إليه تلازم العبث الإقليمي مع الفساد الداخلي. سوريا تنطلق من حيث وصلنا ربما إلى محاصصة سياسية وفقاً «للنموذج العراقي المعدّل».

في الجولان وجه آخر من وجوه التشابه بين ما يحيط بالتسوية السورية وما أحاط بالتسوية اللبنانية، شريط محتل وعدو يستبيح السيادة ودولة متعثرة. حكومة العدو الإسرائيلي تجتمع في الجولان بعد تسعة وأربعين عاماً من الإحتلال، أو من  العجز عن التحرير، ويعلن رئيسها بنيامين نتانياهو أنّ هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد، وأنّ لإسرائيل شروطاً واضحة لأي تسوية دولية للأزمة السورية، في رسالة إلى المجتمع الدولي والمفاوضين في جنيف .

على المقلب الإقليمي وجه شبه آخر، هناك من يصادر الخطاب الوطني ويحتكر القضية. الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال عرض عسكري بمناسبة يوم الجيش أول من أمس، يخاطب قادة الدول الإسلامية قائلاً: «إذا تعرّضت عواصمكم إلى خطر إرهابي أو صهيوني، ستكون إيران القوة التي ستلبّي نداءكم، لو طلبتم مساعدة» ويضيف مستعرضاً تاريخ الجمهورية الإسلامية: «عندما هدّد الإرهابيون بغداد، استجابت جمهورية إيران الإسلامية لنداء الشعب والجيش والحكومة في العراق، للدفاع عن بغداد والعتبات المقدسة، وعندما كانت دمشق مهدّدة، استجابت إيران لنداء الشعب والحكومة في سوريا وأرسلت مستشارين للدفاع عن عاصمتها والمراقد المقدسة».

لم يستفد  الرئيس السوري من الدروس المستقاة من التجربة اللبنانية أو من التجربة العراقية، بالرغم من كونه أحد أبرز مهندسيهما. سوريا بهذه المعايير وفي حال استكمال عناصر الصفقة السياسية ستدخل  مساراً سياسياً مظّلماً لدولة فاشلة، فهل يؤدي انسحاب الهيئة التفاوضية من المفاوضات إلى تعديل في شروط التسوية المحكومة بالسقف الزمني للإنتخابات الأميركية، أو بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة؟