Site icon IMLebanon

أسابيع صعبة: من تنفيذ الاتفاق إلى تطورات سوريا

 

لم تضع الحرب أوزارها بعد. اتفاق وقف إطلاق النار غير سارٍ بشكل جيد. صحيح أن خروقات كالتي تحصل سبق أن خبرناها على مدى 40 يوماً بعد وقف حرب تموز 2006. لكن الفارق يتعلق بقراءة العدو لنتائج المعركة، ومحاولته فرض وقائع ميدانية، ما يضع الدولة اللبنانية وفرنسا والولايات المتحدة أمام تحدّيات كبيرة، علماً أن المقاومة لا تزال في حالة استنفار واسعة، ليس لمواجهة احتمال انهيار الهدنة، بل لأن العدو الذي اضطرّ إلى القبول بوقف اطلاق النار، يريد الضغط لتحصيل نتائج لم يتمكن من تحقيقها في الميدان.

في لبنان، لن يتوقف النقاش حول ما حصل، ولا حول تقييم نتائج الحرب، وسيبقى هناك من يعتقد بأن كلفة الحرب هي المؤشر الوحيد على الخسارة والربح. وهو موقف لا يعكس قلّة عقل في تقدير الموقف، بل قلّة أخلاق لناحية السعي الى تحصيل مكاسب داخلية بناءً على افتراض أن المقاومة خسرت الحرب. وأصحاب هذه الوجهة، الذين كشفوا عن مواقفهم المقيتة خلال الحرب نفسها، لا يتوقّع منهم التوقف عن الهذيان في المرحلة المقبلة. لكن الخطير في الأمر أن يذهب هؤلاء بعيداً في التفسير غير الواقعي لمجريات الأحداث، وأن يدفعوا الأوضاع الداخلية الى مرحلة صعبة قد تهدد الاستقرار بصورة فعلية. وما يزيد الخشية أن هذا الفريق المعادي للمقاومة يضيف إلى أوراقه، اليوم، نتائج المعارك الكبيرة القائمة في سوريا. ويتصرف هؤلاء على أساس أن المقاومة تخسر موقعاً كبيراً في دمشق التي تدفع، بطريقة مختلفة، ثمن وقوفها الى جانب المقاومة. وهو أمر صحيح، إذ إن الحملات العسكرية التي تجري في شمال سوريا لم تكن لتحصل لولا حجم التطورات التي حصلت نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وسوريا أيضاً.

يمكن القول، بسهولة، إن اللبنانيين في حالة إعياء عام. وقد زادت الحرب من أعبائهم الداخلية الكبيرة.

 

سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن المقاومة ستنعزل نحو الداخل السياسي أو ستقف مكتوفة الأيدي أمام تحدّيات الإقليم

 

 

وهناك حاجة أكيدة لدى غالبية لبنانية لالتقاط الأنفاس، والدخول في مرحلة انتقالية تقود الى استقرار مديد. لكن من بيده الأمر، لا يزال يعمل وفق المخطط نفسه، والقوى الداخلية المنقسمة حول مستقبل لبنان لا تزال مرتبطة بالتصورات الصدامية حول موقع لبنان من تطورات الإقليم. وإذا كان الفريق المعادي للمقاومة يعتبر أنه اليوم أمام فرصة لتحقيق مكاسب سياسية، يعتقد أنها تتناسب مع المشروع الأميركي – الغربي للإقليم، فإنه يتجاهل، عن قصد أو عن خبث، أن هذا المشروع لا يخضع فقط لمصالح الولايات المتحدة والأوروبيين، بل أيضاً لمصالح إسرائيل، علماً أن كيان العدو يقترب من انفجار داخلي كبير سيطلّ برأسه يوم تفرض على تل أبيب إرادة كبيرة تلزمها بوقف الحرب قريباً على غزة.

وإذا كانت المقاومة معنيّة اليوم بلملمة جراح أهلها وناسها، وتوفير شبكة أمان اجتماعية وبرنامج صلب لإعادة الإعمار، وضخّ الحياة في شرايين أكثر من نصف لبنان، إلا أنها ليست غافلة عن التحديات الكبرى التي تخصّها، كمقاومة أولاً، وكحزب سياسي ثانياً، وكتيّار شعبي له امتداداته في المنطقة ثالثاً. ولن يتأخر الوقت، قبل أن تقفز في وجه قيادة المقاومة أسئلة صعبة تتطلّب إجابات واضحة وصريحة وشفافة حول ما حصل.

لكن، من المفترض أن يعرف الناس أن هذا التحدي الكبير له أدواته، ويحتاج الى تدقيق ووقت، وسيكون مترافقاً مع مهمة إعادة تثبيت المقاومة كقوة فاعلة في وجه أي محاولة للعدوّ لشنّ حرب على لبنان مجدداً. وهي مهمة حقيقية، ولو افترض كثيرون أنها لم تعد ذات صلة بما يجري في لبنان. ومن لا يجيد قراءة عقل المقاومة، سيفوته أن أصل المسألة يتعلق بوجود إسرائيل، وأن فكرة المقاومة تبقى أساسية في ظل وجود هذا الوحش بالقرب من بيوتنا وناسنا، وأن فعل المقاومة سيظلّ خياراً أكيداً في ظل وجود هذا العقل المتوحش المستعد للقتل كيفما كان، تماماً كما فعل في لبنان ويستمر في فعله في غزة. عدا عن أن المقاومة معنية أيضاً بمتابعة ما يجري في سوريا، لأن ما ستؤول الأمور إليه هناك له أثره الكبير عليها، وعلى موقعها ودورها وعلى حماية ظهرها.

قد يكون غريباً للبعض الحديث اليوم عن إعادة ترميم قدرات المقاومة كمهمة أولى. وقد يكون من الصعب إقناع كثيرين بأن الحرب الأخيرة أكدت أن المشكلة في أصل وجود العدو، وليست في خيار المقاومة. لكن هناك حاجة إلى إعادة النظر في أدوات العمل. وعندما نتحدث عن أدوات جديدة، فالقصد ليس السير خلف المزحة السخيفة لجماعة المجتمع الدولي والدعوة الى احترام الشرعية الدولية، بل القصد، كما الفعل، هو في ابتداع أفكار وأطر تحصّن المقاومة وتمكّنها من إعادة بناء جسمها بطريقة تعطّل على العدو القدرة على الإيلام كما حصل.

داخلياً، ستشتعل الجبهات السياسية على خلفية ما حصل. وإذا كان الاستحقاق الرئاسي داهماً للجميع، فهذا لا يعني أن اللبنانيين سيشاهدون قريباً مبارزات في البرامج من قبل المرشحين الفعليين أو المحتملين للرئاسة. وكلما اقتربنا من لحظة الحقيقة، سنرى الوجوه على حقيقتها، وستختلط الأوراق قبل أن ينتهي الأمر، وفق موازين القوى القائمة اليوم، على خيار توافقي لا يجعل فريقاً يدّعي أنه ربح معركة الرئاسة. وهذه النتيجة قد تكون مفيدة في مواجهة خيار الفوضى، لكنها ليست مفيدة في سياق إعادة بناء الدولة على أسس مختلفة. والسبب، هو أن طبيعة الانقسامات الداخلية، وحجم النفوذ الخارجي، لن يسمحا بتغييرات واسعة في المشهد الداخلي، بل على العكس، فإن ما يظهر من مؤشرات، حتى اللحظة، يعيدنا جميعاً الى السؤال الكبير: هل يريد العالم أن يكون لبنان بلداً مستقراً، أم يريده جزءاً من حالة الفوضى التي تعمّ المنطقة؟

الواضح أننا أمام أسابيع صعبة، حيث الاختبار الجدّي لحجم التزام العدو باتفاق وقف إطلاق النار. لكنه اختبار جدّي أيضاً لطبيعة الفهم الرسمي اللبناني لمتطلّبات تطبيق الاتفاق، حيث نواجه خيارَين: جعل العملية التزاماً بطلبات الخارج، أو التزاماً بمصالح لبنان الداخلية. وإلى جانب هذا وذاك، هناك تطوّرات غير عادية تحصل في سوريا، يعتقد على نطاق واسع بأنها قد تشهد فصولاً أكثر حساسية، وخصوصاً إذا انتقلت المعارك الى المناطق الجنوبية من سوريا، حيث تطال ألسنة اللهب لبنان، وحيث يمكن للعدو أن يدخل في ألاعيب تهدف الى تقسيم سوريا، وإلى أن يضع يده على قسم من جنوبها، وهو الخطر الأكبر، ليس لكونه يؤدّي الى نقص في سيادة الدولة السورية على أراضيها، بل لكونه يستهدف في مرحلة ما محاصرة لبنان، تمهيداً لإعادة إشعال النار فيه من جديد.