تكشف الهجمات العسكرية لقوات “الحلف الثلاثي” المكوّن من إيران ونظام سوريا و”حزب الله” اللبناني على مناطق عدة يسيطر عليها ثوار سوريّون معتدلون وتنظيمات سورية إسلامية ومنظمات إسلامية سورية متطرِّفة حتى العنف والتكفير، تكشف أنه يتوقَّع ارتفاع الضغط الدولي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا في الأشهر القليلة المقبلة. هذا ما يقوله ناشطون في مركز أبحاث جدّي عربي. ويضيفون إن “الحلف” ربما أُعطي مهلة زمنية للسيطرة التامة على مناطق يعتبرها حيوية لأهدافه الاستراتيجية المستقبلية، ويلفتون إلى أن الهجمات المشار إليها تكاد أن ترسم الخريطة التي يفكر فيها، وإلى أنها تفصح في شكل أو في آخر عن تقسيم الى مناطق ثلاث. تضم الأولى أراضي يعتبر أعضاؤه الثلاثة أن التفاوض عليها مرفوض نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية. وتضم الثانية الأراضي التي على “الحلف” أن يبذل جهوداً كبيرة للاحتفاظ بها، إما لاستعمالها في الدفاع عن المنطقة الأولى، أو لاستعمالها أوراقاً في التفاوض لاحقاً. أما الثالثة فتضم الأراضي الميؤوس منها أي التي لا إمكان للاحتفاظ بها أو لاسترجاعها.
ويعيد هؤلاء الناشطون البحثيون التقسيم الثلاثي المذكور إلى انتقال “الحلف الثلاثي” لتنفيذ الخطة “باء” بعد اقتناعه باستحالة استعادة سوريا كلها وإحياء نظامها. ويقتضي تنفيذها إجراء تعديلات على الخريطة السكانية لسوريا. وهذا ما يجري حالياً. والمعيار المعتمد لإقامة الخريطة الجديدة هو إلى المذهبية السياسية الاستراتيجيا. والتعديل يعني أحياناً تنفيذ تطهير مذهبي، وخصوصاً في المناطق التي تتقاطع فيها المصالح المذهبية والسياسية والاستراتيجية ومنها القلمون ومفتاحها مدينة الزبداني. علماً أن التنظيف قد لا يكون شاملاً، وخصوصاً في المناطق الأساسية لسببين. الأول، أن عدد السنّة قد يكون مساوياً لعدد العلويين. ومدينة اللاذقية مثال على ذلك. والثاني، أن السنّي الموجود الذي يقف مع النظام تجب المحافظة عليه. وهو موجود حتى الآن.
يبدو من خلال المعلومات والتحليلات المفصَّلة أعلاه أن لدى “الحلف الثلاثي” خطة واضحة يجري تطبيقها، فهل للمعارضة أو المعارضات السورية خطة مماثلة؟
لا يبدو، استناداً إلى الناشطين البحثيين انفسهم، أنها تمتلك خطة لإحباط خطة إيران – الأسد – “حزب الله”، أو على الأقل لشنّ هجوم مضاد قوي على هؤلاء. وبدا ذلك واضحاً في اثناء التفاوض الإيراني مع المعارضة السورية بموافقة تركية لإخلاء الزبداني وقريتي كفريا والفوعا. إذ قامت تنظيمات بخرق وقف اطلاق النار مرتين على الأقل لإحراج المعارضة المقاومة أو لتأكيد عدم تمثيلها الشعبي.
لكن ما يبدو واضحاً الآن أن ما يجري هو محاولة “الحلف الثلاثي” تنفيذ مخطَّطه المذكور أعلاه تمهيداً للانتقال إلى طاولة المفاوضات، وعندما يحصل ذلك يكون أنجز رسم حدود مناطقه التي ستبقى تحت سيطرته إلى أن يتم التوصل إلى حل، تقسيماً كان أو فيديرالية جوهرها تقسيمي. وفي هذه الحال ستُغرق إيران العالم بمواقف وتصريحات عن أن حل أزمة سوريا سياسي. علماً أن حدوده يكون رسمها الدم على الأرض قبلاً . وطبعاً سيصفّق العالم حينها لمرونتها.
هل من توقّعات معينة للأشهر القليلة المقبلة؟
يشير الناشطون البحثيون أنفسهم الى توقُّعين. الأول، استمرار الهجمات العسكرية القاسية جدّاً من إيران (حرس ثوري) و”حزب الله” والأسد لتنظيف المناطق المُصنَّفة “غير القابلة للتفاوض” استراتيجياً. وستغطى بفيض من المواقف الناعمة الداعية إلى حلّ سياسي وبدفق من المساعدات العسكرية الروسية. وفي هذه الأثناء تتابع موسكو طريقها الديبلوماسي. أما التوقع الثاني فهو إعلان طهران وبعد سيطرة “الحلف الثلاثي” على كل المناطق الاستراتيجية المحددة انها جاهزة لإقناع الأسد بمغادرة دمشق. وسترتفع عندها أصوات الدعوات الروسية لوقف إطلاق النار وستمارس إيران دوراً “حمائمياً”. وسيكون هدف الثلاثي “مأسسة” الوضع القائم في سوريا والحصول على اعتراف به من النظام السوري الجديد مماثل للاعتراف بوضع المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” في لبنان ولا سيما في جنوبه. ويعني ذلك أن نهاية حرب سوريا إذا صحّ كل المذكور أعلاه ستكون توسّع “الحزب” وإيران في لبنان واحتفاظهما بالساحل الغربي لسوريا.