“لم تنتظر أميركا وروسيا رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة من أجل بدء مشاورات سرية في شأن مستقبل سوريا تشارك فيها دول مؤثرة معنية بهذه القضية وتتناول خصوصاً طبيعة التركيبة الجديدة للحكم في هذا البلد، والخيارات الواقعية الممكنة لمنع تفكيكه وللحفاظ عليه موحداً وما اذا كان من الأفضل دعم قيام نظام فيديرالي اتحادي فيه أم تبني خيار اللامركزية الموسعة. وأظهرت هذه المشاورات المتواصلة أن الاسد ليس له دور في الحسابات والخطط المستقبلية لغالبية هذه الدول التي ترى أنه ليس مجدياً التشاور معه في شأن مصير البلد لأنه ليس مهتماً فعلاً بإنهاء الحرب وإخراج سوريا من الجحيم بل أن اهتمامه يتركز على التمسّك بالسلطة أياً تكن النتائج. وتتعامل هذه الدول مع الأسد على أساس أنه سيرحل بطريقة أو بأخرى ضمن نطاق العملية التفاوضية ولن يكون جزءاً من سوريا المستقبل”. هذا ما قاله لنا مسؤول غربي بارز في باريس يشارك في هذه المشاورات ممثلاً بلده وركّز في هذا المجال على الأمور الأساسية الآتية:
أولاً، الاتفاق الوحيد المتعلق بالمستقبل السوري الذي أنجزته بصورة غير معلنة أميركا وروسيا هو التمسك برفض تقسيم سوريا وانشاء كيانات مستقلة على أساس طائفي أو عرقي فيها وعلى أنقاض الدولة المركزية لأن ذلك يقود الى حرب طويلة بين هذه الكيانات، والى نمو التنظيمات الارهابية والى تهديد وحدة دول أخرى مجاورة أبرزها لبنان والعراق.
ثانياً، أميركا وروسيا والدول المؤثرة الأخرى باستثناء إيران على اقتناع بأن الأسد فقد القدرة على حكم سوريا ولن يكون حاكم سوريا الجديدة أو شريكاً للجهات الدولية والإقليمية في إعادة إحياء البلد وإحلال الاستقرار والسلام فيه.
ثالثاً: أميركا وروسيا وباقي الدول المؤثرة باستثناء إيران على اقتناع بأن نظام الأسد فشل في الحفاظ على سوريا الموحدة وأنه المسؤول الأول عن تفجير هذا البلد دولة ومؤسسات وشعباً ومجتمعاً وأن الخيار الواقعي الوحيد لإنهاء الحرب هو الانتقال الصعب والتدريجي الى نظام جديد مختلف جذرياً وجوهرياً عن النظام القائم.
رابعاً، هذه الدول المؤثرة باستثناء إيران على اقتناع بأن تركيبة نظام الأسد وتوجهاته ليست صالحة لقيادة وإدارة شؤون سوريا لانها ذات طابع تسلّطي قمعي وقد فجّرت ثورة شعبية عارمة وعميقة ولأنها ترتكز على قاعدة شعبية محدودة وليست ممثلة لكل مكونات الشعب وتطلعاته المشروعة. وليس ممكناً إعادة توحيد الشعب وإنجاز مصالحة وطنية ضرورية لقيام سوريا الجديدة في ظل نظام الأسد الذي فجّر حرباً ثانية ضد شعبه المحتج، بل أن من الضروري التفاهم على تركيبة جديدة للحكم في نطاق القرارات والتفاهمات الدولية تضمن الحقوق والمطالب المشروعة للغالبية والاقليات وتمنح الشعب حق تقرير مصيره في انتخابات نيابية ورئاسية تعددية تنظمها وتشرف عليها الأمم المتحدة من أجل ضمان نزاهتها وحريتها الأمر الذي لم تشهده سوريا منذ أكثر من خمسين سنة.
خامساً، الدول المؤثرة باستثناء إيران تتحرك على أساس أنه ليس ممكناً الانتقال الى سوريا الجديدة من طريق مواصلة الحرب بل أن من الضروري دعم العملية التفاوضية في جنيف بين النظام والمعارضة وتشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للطرفين وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتتولى إدارة شؤون البلد موقتاً وصوغ دستور جديد وتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية بمساعدة الأمم المتحدة وتمهد لقيام سوريا الجديدة في ظل قيادة شرعية جديدة يختارها السوريون.
سادساً، لم تتفق أميركا وروسيا على صيغة موحدة لسوريا الجديدة إذ أن المشاورات السرية تتركز خصوصاً على درس خيارين: أما الحفاظ على الدولة الموحدة على أساس صيغة فيديرالية اتحادية تسمح للأقاليم بمحاولة الحكم الذاتي في ظل سلطة مشتركة مركزية تعددية وديموقراطية، واما تبني صيغة اللامركزية الموسعة في الدولة ا لموحدة التي تسمح للأقاليم بإدارة شؤونها الداخلية من غير ممارسة الحكم الذاتي.
وخلص المسؤول الغربي الى القول: “ان اعلان الأحزاب السورية الكردية قيام نظام فيديرالي في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد بشمال سوريا يسمح لها أن تدير شؤونها بذاتها، دليل إضافي على تفكك البلد في ظل حكم الأسد وعلى عجز النظام عن الإمساك بهذا البلد. وفي أي حال إن القضايا والخيارات المتعلقة بمستقبل سوريا ستناقش جدياً مع الأفرقاء السوريين بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي ومع بدء صوغ الدستور الجديد. ولكن أياً يكن الخيار المعتمد فإن الأسد ونظامه لن يحكما سوريا الجديدة”.