Site icon IMLebanon

حقائق سوريّة..

تُضرّ المبالغة بهواتها قبل غيرهم. مثلما يدلّ الصراخ المرتفع على حجم الضعف عند أصحابه قبل الآخرين.. والمعادلة الفصيحة تقول إنّ السائر بين القبور، يبدأ في الغناء على العالي من شدّة خوفه، وليس لأنّه اكتشف فجأة أنّه صاحب موهبة وصوته رخيم!

وذلك حال مَن راح بعيداً بالأمس في استهدافاته وتوعُّداته وصولاً إلى اشتمالها على دول وأمم وشعوب كبرى وصغرى.. في وقت تدلّ واقعات الزمان السوري الراهن على أنّها أعقد وأعنف وأمرّ من محاولات تلخيصها بمصطلح «الانتصار»، أكان لبقايا السلطة الأسدية أم لداعميها الإيرانيين والميليشيات المذهبية التابعة لها، مثلما تبيّن على مدى سنوات خمس لم يترك خلالها سلاح إلاّ واستُخدِم. ولم تترك فيها وسيلة إلاّ واتُّبِعَت. إلى أن استوى المشهد عند استحضار الروس وطيرانهم ووحشيتهم الموصوفة.. ومع ذلك، فإنّ الإدّعاءات الحاسمة، لم تزل إدّعاءات، بل العكس هو المرتقب وصولاً إلى افتراض كثيرين، أنّ «الحرب السورية» لا تزال في عزّها، لكنها لم تصل إلى الذروة بعد!

ومعضلة أصحاب اليقينيات في مثل هذه الحالات، أصعب من غيرهم: آمالهم أكبر من واقعيتهم. وتوقّعاتهم أكبر من امكاناتهم. وتعقيدات المسارح الكبرى أكبر من تبسيطاتهم. ولعبة المصالح الدولية أكبر من نصوصهم الخلاصية.. وصَدَماتهم في الحروب الاستنزافية لا يوازيها شيء طالما هم صاروا ضحاياها بعد أن كانوا أبطالها!

كثيرون افترضوا من بداية الطريق أنّ خاتمته حارقة ولا تقل عن كونها فرناً بشرياً بكل معنى الكلمة.. وكثيرون ظنّوا ولم يَخِبْ ظّنهم، أنّ فيتنام ليست بعيدة سوى بالمسافة الجغرافية عن سوريا! وأنّ الموهوم والمكَابِر والمدّعي احتكار كل الطرق المؤدّية إلى السماء، هو وحده مَن افترض العكس ودفع ثمن افتراضه، وظنّ أنّ فيتنام لا تليق به! ولا تتناسب مع مقاساته (وجلّها إلهي الطابع والطبع!) قبل أن يتبيّن العكس تماماً بتاتاً ويدفع من لحمه الحيّ ومن ارتكازاته الفكرية والقيمية أفدح الأثمان وأغلاها!

وأوّل الخطيئة مثل آخرها، ولا فرق أكان مرتكبها يدّعي الطهارة أو يُمارس عكسها. وزبدة ذلك، أنّ كل «احتلال» خارجي، ضدّ إرادة أصحاب الأرض، مصيره الطحن والتحطُّم، وأيّاً تكن قوّة المحتل، وأيّاً يكن ضعف الضحيّة. ولم يشهد التاريخ (الحديث) أي كسر لهذه القاعدة على امتداد الكرة الأرضية، من فيتنام، الى افغانستان، إلى الكويت إلى جنوب لبنان!

فار التنور في سوريا.. ووصلت الارتباكات والارتكابات إلى مستوى شديد التعقيد والإبهام والوحشية. لكن ذلك كلّه، لم يغيِّر سابقاً، ولن يغيِّر راهناً، حقائق الأرض والناس. ولن يعدِّل حرفاً في المصطلحات والتوصيفات مهما علا التزوير والصراخ، ومهما حاول المزوِّر والصارخ لعب دور الضحيّة فيما هو المُرتكِب! ولعب دور صاحب الأرض فيما هو الغازي والمعتدي والمحتل الغريب!

النكبة في سوريا فظيعة، لكنها لا تعدِّل ولا تغيِّر في حقائق أهلها ولا في تاريخها ولا في مستقبلها! إلاّ إذا افترض الموهوم والمكابِر، أنّ إسرائيل نجحت إلى الأبد، في شطب فلسطين وإبادة شعبها! ثم إذا افترض بعد ذلك، أنّ هناك في دنيا العرب والمسلمين وغالبية السوريين، مَن هو قابل باكتمال عناصر هذه النكبة وبتداعياتها الزلزالية على المنطقة بمجملها، أو قادر، حتى لو لم يشأ، على تحمُّل تلك التداعيات!