عندما أصرت سوريا على ربط مصير الجولان بمصير الجنوب اللبناني المحتلين عمل عميد “النهار” غسان تويني جاهداً للفصل بين مصيرهما وكان سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة، فتوصل الى اقرار القرار 425 عن مجلس الأمن الدولي الذي يدعو اسرائيل الى الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها بدون قيد أو شرط في حين أن القرار الدولي المتعلق بالجولان يدعو الى اجراء مفاوضات مع اسرائيل للانسحاب منه. لذا اختلفت مهمة القوات الدولية في كل من المنطقتين. لكن اسرائيل عرفت كيف تستفيد من ربط مصير الجنوب الذي لا مطامع لها فيه كتلك التي لها في الجولان عسكرياً ومائيا، فاشترطت لانسحابها من الجنوب عقد اتفاق سلام مع لبنان وهو ما لا قدرة له عليه، فطلب العودة الى اتفاق الهدنة بين الدولتين الى حين يتحقق السلام الشامل في المنطقة فلا الجنوب تحرر ولا الجولان. وحين حاول الرئيس أمين الجميل إبان عهده تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي بالتوصل الى اتفاق 17 أيار عمدت اسرائيل في اللحظة الأخيرة، الى ربط انسحابها من الاراضي التي تحتلها في الجنوب بانسحاب القوات السورية من لبنان فكان ذلك كافياً لعدم إبرام الاتفاق الذي كان قد أثار معارضة قوى سياسية وحرك تظاهرات في الشارع. وها أن ايران اليوم وعبر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تربط مصير الرئاسة الأولى في لبنان بمصير الرئاسة في سوريا كاشفة بذلك عن تدخلها في الموضوع بعدما كانت تدعو اللبنانيين الى الاتفاق على انتخاب رئيس من دون تدخل اي خارج، فهل في امكان القادة في لبنان رداً على ذلك التوصل الى اتفاق على فصل أزمة الانتخابات الرئاسية عن الأزمة السورية أم ان خلافهم المتعدد الغاية يحول دون ذلك خصوصاً أن “حزب الله” ومن معه وبايعاز ايراني، لا يريد انتخابات رئاسية وما الاصرار على ترشيح العماد عون سوى اعطاء سبب يبرر ذلك.
لقد فشلت حتى الآن كل المحاولات التي بذلت لدى “حزب الله” ليس من أجل الاتفاق على مرشح للرئاسة الأولى إنما الاتفاق على النزول الى مجلس النواب والاتاحة للأكثرية النيابية انتخاب من تريد من بين مرشحين معلنين وغير معلنين. وهو ما يقضي به الدستور والنظام الديموقراطي. لكن الحزب الذي لم تأته اشارة بعد من ايران كي يغير موقفه لا يزال يصر على ترشيح العماد عون من دون سواه بحجة أنه الأكثر تمثيلاً والأكثر قدرة على اقامة الدولة القوية… مع علم الحزب ان الظرف الراهن غير مؤات لانتخاب مرشح لا من 8 ولا من 14 آذار وثمة شبه اجماع من الداخل والخارج على أن يكون رئيس لبنان في هذا الظرف الدقيق توافقياً يستطيع ان يجمع لا أن يفرق، إلا أنه يبدو ان ايران لم تتوصل بعد الى اتفاق مع الدول المعنية على الثمن السياسي الذي تريد كي تسهل اجراء انتخابات رئاسية في لبنان خصوصاً بعد الدخول العسكري الروسي الى سوريا وما قد يكون له من تداعيات واشتداد التوتر في العلاقات الايرانية – السعودية التي كان كثيرون يتوقعون زواله، لتحقيق تقارب بين الدولتين يقرب
موعد انتخاب رئيس للبنان ما جعل المواكبين لوضع لبنان يتأكدون أنه ليس على جدول اهتمامات الدول التي لها اهتمامات أخرى أهم في المنطقة. فهل يثبت القادة في لبنان قدرتهم على حل المشاكل بأنفسهم ويقلعوا شوك الأزمات بأيديهم لأن الدول الصديقة أو الشقيقة الراغبة غير قادرة والقادرة غير
راغبة…
من الطبيعي حيال هذا الوضع المتأزم أن ينعكس الأفق المسدود سلباً على الحوار الجاري بين الاقطاب وأن يزيد تعقيد أزمة انتخاب رئيس للجمهورية وعدم الاتفاق على قانون جديد للانتخابات إلا اذا قرروا تقديم مصلحة لبنان على كل مصلحة واتكلوا على أنفسهم في انقاذه. لكن ارتباط بعضهم بخارج لا بل ارتهانهم له قد يدخل لبنان في الفراغ الشامل، ومنه تخرج الفوضى العارمة الهدامة، عندما تصبح جلسات مجلس الوزراء معطلة أو تنفجر الحكومة من الداخل، وتتعطل معها جلسات مجلس النواب فلا يعود ثمة مجال للاتفاق على إخراج لبنان من الكارثة التي حذر الرئيس سلام نفسه منها عندما قال في حديث له: “إن الانهيار الكامل للبنان قد لا يكون سياسياً أو أمنياً بقدر ما يكون اقتصادياً واجتماعياً يشعل غضباً شعبياً” فهل تحصل معجزة فينتخب رئيس للجمهورية لأن انتخابه هو مفتاح حل كل الأزمات والمشكلات أم أن القادة المرتبطين بخارج سيتفرجون على بيت يسقط سقفه على الجميع.