انهيار اللا-مفاوضات السورية في جنيف كان انعكاساً طبيعياً لانهيار هدنة “وقف العمليات العدائية”. كانت روسيا وافقت على الهدنة بعد فشل الجولة الأولى في جنيف (مطلع شباط)، تحديداً بسبب مؤازرتها الجوية الكثيفة لقوات النظام السوري وميليشيات ايران في هجومٍ وشيك على حلب، ومع الهدنة قيل إن موسكو اعتزمت الضغط على بشار الاسد كي ينخرط في تفاوضٍ جدّي. انعقدت الجولة الثانية منتصف آذار وسط انتهاكات متفاوتة الخطورة لوقف النار، لكنها مهّدت لجولة ثالثة وصفت بأنها ستدخل صلب الموضوع: الانتقال السياسي. وبين الجولتين الاخيرتين نشطت اتصالات اميركية – روسية، سياسية واستخبارية، تحت عنوان “مصير بشار الاسد”، وفيها تذرّع الرئيس الروسي بالرفض الايراني لأي سيناريو يزيح الاسد، وبذلك كان يشير الى الاميركيين بأنهم لم يعرضوا عليه “صفقة” ويريدون رأس الاسد مجاناً.
لم يكن تدخّل بوتين في سوريا “من أجل حل سياسي” للصراع، بل للضغط على اميركا واوروبا كي ترضخا للأمر الواقع في اوكرانيا وتحرّكا ملفات الخلاف الأخرى مع روسيا. وفي سياق هذا الضغط دعم بوتين تغيير المعادلة الميدانية لمصلحة نظام الاسد، وكان سانده طوال الأزمة، واستجاب بعض رغبات الايرانيين، لكنه لا يزال يتجنّب أي تورّط يُغرق روسيا في صراع طويل قد يتحوّل حرباً استنزافيةً ويوقع خسائر في صفوف عسكرييه. في المقابل، لم يرَ أي استفزاز من الجانب الاميركي بل مزيداً من المراعاة لتشجيعه على ترجيح حل سياسي خلال الشهور المتبقية من ولاية باراك اوباما، وفي آب كحدّ زمني أقصى. لكن الخلاف استمر على امكان نجاح أي حل بوجود الاسد أو بدونه، لذا ارتؤي البحث في “اعلان دستوري” يقلّص صلاحياته. في الأثناء سرّبت موسكو عبر ستافان دو ميستورا اقتراح “ثلاثة نواب للرئيس تختارهم المعارضة” فيما كانت الهدنة تترنّح، وبالتزامن مع حركة نقل آليات وأسلحة ثقيلة روسية الى جنوب حلب ونشاط ايراني لحشد جنود من “الحرس الثوري” والميليشيات. لم يتخلّ الروس والايرانيون ونظام الاسد عن خيار “الحسم العسكري”.
تحاول روسيا حالياً إبقاء المفاوضات قائمة، وتوحي بأن ثمة حلاً ممكناً بين النظام و”معارضات موسكو + القاهرة + استانة + حميميم + الأكراد” التي لم تغادر جنيف (وفد “حميميم” وصل بطائرة وفد النظام). وكلها “معارضات” مفبركة، باستثناء “معارضة القاهرة” التي تضمّ مجموعة من الشخصيات الاعتبارية التي اتخذت موقفاً وسطيّاً لكن يصعب انضواؤها في حلٍّ بوجود الاسد وزمرة القتلة المحيطين به، وبمعزلٍ عن المعارضة التي برهنت باحترامها الهدنة أنها هي الطرف الآخر الحقيقي في المعادلة. في المقابل ترى الدول الداعمة للمعارضة أن اميركا – اوباما خسرت أمام روسيا- بوتين في ادارة الأزمة، وبالتالي فإن الصراع دخل مرحلة جديدة بدأت معالمها ترتسم، خصوصاً في دمشق وغوطتها.