IMLebanon

حكم ذاتي لأقليات سوريا أو حرب كردية – عربية؟

تفيد رابعاً المعلومات الأميركية الجدية والموثوق بها المتعلّقة بأكراد سوريا ان انتخابات بلدية أجريت في شهر آذار 2015، وأن المجالس التي انبثقت عنها تولّت الإشراف على الإدارات التي تتعاطى مع قضايا الصحة والأمن والملفات القضائية والتجارة ومؤسسات الأعمال. وبدأت المؤسسات الأخرى تتشكَّل وبدا من تركيبتها أن المجموعات الإثنية والدينية المختلفة (عرب وأشوريين ومسيحيين) كانت ممثَّلة فيها، وأن اللغات الثلاث الكردية والعربية والأشورية (سريانية) اعتُرف بها لغات رسمية. هل احتمال تحوّل الحكم الذاتي في سوريا دولة مستقلة وارد؟

أجاب عن ذلك صالح مسلم زعيم الـPYD بالقول أن الإدارات المحلّية في شمال سوريا لا تهم الأكراد وحدهم. انها مشروع مستقبلي يهم كل سوريا. ولو قامت سوريا الجديدة على إدارات كهذه لما وقعت مرة جديدة في الاستبداد والطغيان. ويدلّ ذلك على رفض العودة إلى سوريا ذات المركزية القوية. لكن الاحتمال المقلق الذي يجب أن يفكر فيه الجميع هو أن مساعدة أميركا أكراد سوريا على إقامة مناطق كردية ذات حكم ذاتي داخلها يجعل التقاتل بينهم وبين عربها وارداً. فالمجموعات الإسلامية وغير الإسلامية المسلّحة اتخذت موقفاً سلبياً من الخطوات الكردية. وينبع ذلك ربما من عداوات قديمة بين العرب والأكراد في سوريا والعراق ، ومن تمسّك العرب السوريين بإقامة دولة مركزية قوية على أنقاض نظام الأسد. في أي حال لا تزال سوريا في مخاض عسير يجعل من توقُّع مستقبلها كغالبية عربية وسنّية وكأقليات كردية ومسيحية أمراً بالغ الصعوبة.

كيف يمكن إقامة حكم ذاتي أو فيديرالي أو لامركزي كردي في سوريا في ظل غياب الإتصال الجغرافي بين المناطق الكردية السورية الثلاث؟

تجيب المعلومات الأميركية الجدية والموثوق بها عن ذلك بالقول إن القوات الكردية (PYD) سيطرت في حزيران 2015 على مدينة موقعها الجغرافي على الحدود السورية – التركية اسمها “تل أبيض”. فعطّلت بذلك اتصال “داعش” بتركيا جغرافياً وسمحت بربط كانتوني “كوباني” و”الجزيرة” . إلا أن ما يقلق الأكراد أو يخيفهم هو رفض تركيا وعلى نحو مطلق اتصال المناطق الكردية السورية وانشاؤها اقليما متمعاً بحكم ذاتي. وهي لذلك حاولت ضرب هذا المشروع بإقامة منطقة آمنة في مناطق سورية حدودية مع تركيا، وبإقناع أميركا به وبوضعهما معا خطة لذلك وفي الرابع من آب العام نفسه. علماً ان تنفيذها لم يحصل ربما لتنصّل واشنطن منها أو ربما لعدم توافر ظروف ملائمة للتنفيذ. ورغم هذا الفشل تبدو تركيا مصمّمة على تعطيل كل جهد كردي يرمي إلى وصل الكانتونات الثلاثة عبر السيطرة على منطقة طولها 65 ميلاً ليس فيها قرية أو بلدة كردية.

هل من تواصل أو بالأحرى علاقة جيدة بين أكراد سوريا وكردستان العراقية وخصوصاً بعدما قدم رئيس هذه الكردستان مسعود البرازاني مساعدة عسكرية ملموسة لأكراد سوريا مكّنتهم من تحرير “كوباني” من “داعش”؟

تفيد المعلومات الأميركية نفسها أن العلاقة السياسية والأيديولوجية لحزب الاتحاد الكردستاني السوري (PYD) بحزب العمال الكردستاني (التركي) وضعته في حال تنافس مع برازاني والحكومة الكردية الاقليمية التي يترأس في العراق. والتنافس بين الأخيرة وحزب أوجلان تعود إلى عام 1990. وجعل ذلك من الـ(PYD) منافساً لحلفاء برازاني من أكراد سوريا المنضوين في “الحزب الكردي السوري الديموقراطي” وفي “الائتلاف الوطني الكردي”. والإثنان قاطعا الانتخابات المحليّة التي أجراها الأول في الكانتونات الكردية السورية الثلاثة. فضلاً عن أن سعي برازاني إلى نقل كردستان العراقية من الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة لا يسمح له بالعمل لتوحيد “أكراده” مع أكراد سوريا، إذ يعقّد مخططاته وطموحاته.

في اختصار ماذا أنجز الأميركيون بدعمهم أكراد سوريا؟

جعلوا القتال مستقبلاً بينهم وبين العرب احتمالاً وارداً من دون أن يقصدوا ذلك ولا سيما بعد ردّ الفعل السلبي للسوريين العلمانيين والإسلاميين على إعلان الـ PYD الحكم الذاتي في مناطقه. ويعود رفضهم إلى رفض السنّة العراقيين الحكم الذاتي لأكراد بلادهم بعد غزو أميركا العراق عام 2003 . طبعاً تستطيع أميركا التوفيق بين عرب سوريا وأكرادها. لكن استمرار الأزمة – الحرب فيها قد يدفع لاحقاً جماعات أخرى مثل الدروز والعلويين إلى المطالبة بحكم ذاتي في مناطقهم. ومن شأن ذلك كله جعل إعادة بناء الدولة السورية أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد خصوصاً في ظل الحاجة المستمرّة إلى التعاون لمحاربة “داعش” وأمثاله.