من تابع خطابي الرئيسين الأميركي والروسي باراك أوباما وفلاديمير بوتين أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة المنعقدة في دورتها السبعين، لاحظ ان الفجوة بالنسبة الى الأزمة السورية قد ضاقت بين البلدين الى حد بعيد، على الرغم من اختلاف موقفيهما المعلنين من مسألة بقاء بشار الأسد في المعادلة السورية في المرحلتين الانتقالية والمستقبلية. لم يلمس المراقبون المتابعون للسياسة الأميركية “حرارة” لافتة في نبرة أوباما عندما تناول الأزمة السورية، او لدى حديثه الانتقادي لشخص بشار الأسد، مما عزز الانطباع ان الادارة الأميركية الحالية لا تزال تفضل البقاء في المقعد الخلفي في ما يتعلق بالأزمة السورية. فلا التدخل الروسي المباشر عبر ارسال طائرات حربية وقوات نخبة الى منطقة الساحل، غيّر قرار أوباما القديم الابتعاد عن التدخل المباشر لإنهاء الصراع بالاسهام الجدي في إسقاط بشار، ولا مشهد ملايين النازحين السوريين داخل بلادهم وخارجها، فضلاً عن مئات الآلاف من المرميّين على أبواب أوروبا، حرّك الموقف الأميركي في الاتجاه الصحيح. على العكس من ذلك، اقترب أوباما ومعظم أوروبا من الموقف الروسي – الايراني الذي يهدف الى الابقاء على بشار بعد اكبر مجزرة في تاريخ المنطقة ارتكبها ونظامه. والأسوأ من ذلك ان بوتين الذي وضع موضوع محاربة “داعش” فوق كل اعتبار لم يجد في مواجهته موقفاً قوياً في خطاب أوباما. لقد كان أوباما في الجزء المخصص لسوريا من خطابه بارداً ومبتعداً الى درجة كبيرة، قد يقرأها بوتين على انها ضوء أخضر أميركي لروسيا للتوغل في الصراع السوري، بما يمنع سقوط بشار. وللتوضيح، كان موقف أوباما البارد والضعيف الذي لا يزيد شيئاً على مواقفه اللفظية من أزمة أوكرانيا اشارة اخرى لبوتين ان امامه رئيس اميركي ضعيف للغاية، وان عليه استغلال ما تبقى من ولاية الأخير لإحراز خطوات الى الأمام وتثبيت مكاسب جديدة على الساحة الدولية، خصوصاً في سوريا وأوكرانيا.
لم يكن احد من المراقبين يتوقع ان يولد أوباما جديد، بعدما باغته بوتين بتشكيل “حلف رباعي” تحت شعار محاربة “داعش” يضم الى روسيا، إيران والعراق وسوريا، وهدفه الأساسي مواجهة النظام العربي ومن خلاله مصالح أميركا وأوروبا معاً. لقد شاهدنا بالأمس رئيساً أميركياً تجاوزته الأحداث في الشرق الأوسط، وفشل في إعادة احياء القليل من عناصر الثقة مع الحلفاء في المنطقة.
بالطبع هذا لا يعني ان المشروع الروسي سينجح، كما لا يعني ان الايرانيين والروس يلتقون حول جميع القضايا المطروحة. ولكن هذا معناه ان شلالات الدم في سوريا ستستمر طويلا، باعتبار ان محاولة احياء “الجثة” بشار، لا يمكن ان تكون ضماناً للاستقرار في سوريا. فبشار ونظامه بإرهابهما وإجرامهما هما أساس المشكلة، والقوة الخالقة ثم الجاذبة لكل ارهاب مواز لها.
وفي انتظار ان يرحل أوباما واحتمال ان تأتي ادارة اميركية جديدة اكثر حزماً وجدية، سيستمر حمام الدم في سوريا ويتوسع مع انخراط روسيا المباشر على الأرض.