IMLebanon

سوريا، عن أحوال الناس الصامدين

نشر محبو العقيد سهيل الحسن، الشهير بـ «النمر»، صوراً لمنزل عائلته؛ لا أكثر من بيت شعبي ريفي قديم وحميم. ولعل الرسالة واضحة؛ فالنمرـــ الذي لم يخض معركة خاسرة واحدة، ويقتحم، على رأس جنوده، مواقع الإرهابيين، ويتمتع بشعبية واسعة في صفوف النشطاء الوطنيين في سوريا ـــ مواطن ينتمي إلى الأغلبية الكادحة. ومن الواضح أنه، كما يدل اقدامه وتدل كلماته البسيطة العميقة، ملتزم بوجدانها.

صور منزل النمر يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، في سياق حملة على وزير سوري دعا الناس إلى التقشّف؛ أجابه العديدون، إجابة صارمة: من يقتني سيارة «ليكزاس» لا يحق له مطالبة الآخرين بشدّ الأحزمة على البطون!

هذا الرد لا ينفي تقدير الموقف الاقتصادي الناجم عن الحرب والحصار، لكنه يدين الامتيازات، خصوصاً في ظل الحرب والحصار. وفي الواقع، هناك، في سوريا اليوم، مفارقة ملموسة بين المصاعب المعيشية الشديدة الوطء التي تعانيها الكتلة الشعبية المؤيدة للدولة الوطنية ـــ وهي، نفسها، الخزّان البشري للضباط والجنود الذين يخوضون معارك الدفاع عن الجمهورية في مواجهة الإرهاب والتدخلات الغربية الخليجية والأطماع التركية ـــ وبين نموّ الثروات والامتيازات لدى الأثرياء والمتنفذين.

هذه المفارقة ليست خافية على الرئيس بشّار الأسد، لكنه ـ كما أوضح في حوار خاص معه حول هذه المسألة بالذات ـــ مقيّد بحسابات الحرب؛ فمن جهة، يفرض الصراع المحتدم تجميع كل الفئات الاجتماعية، بما فيها فئة «الرابحين» من التحوّلات الاقتصادية الليبرالية، ومن جهة أخرى، هناك مسؤولية الدولة ـــ التي تراجعت امكانياتها ـــ إزاء « الخاسرين» من تلك التحولات، أي الأغلبية الشعبية.

قلب الرئيس مع الناس، لكنه يفكّر، أيضاً، بكسب معركة وحدة سوريا وسيادتها وأمنها ودورها الإقليمي، ما يجعل القيام بخطوات اجتماعية جذرية، صعباً في المرحلة الراهنة. غير أن الأسد، الذي صقلت الحرب معدنه الوطني والشعبي، توصّل إلى القطيعة الفكرية مع الليبرالية الاقتصادية والرأسمالية العالمية، وأعاد التأكيد على أولوية القطاع العام والتقديمات الاجتماعية والتنمية الوطنية ـــ بمشاركة القطاع الخاص الانتاجي، لا سيما الصناعي ـــ والانضواء في المنظومة الاقتصادية البديلة لدول البريكس بقيادة روسيا والصين. ولذلك، فأنا اعتبر الرئيس، بذاته، قوة تقدمية لمستقبل سوريا.

غير أن الاتجاهات الاستراتيجية التقدمية ـــ والضرورات الوطنية التي لا ننفيها ـــ لا تفي بمتطلبات الحياة اليومية وتفاصيلها. حياة السوريين، اليوم، صعبة جدا؛ ليس فقط بسبب الإرهاب، وإنما، كذلك، في المناطق الآمنة، بسبب التضخم والبطالة وتدني الدخول وتراجع الخدمات العامة، والمصاعب الحياتية الأخرى.

ولعل صبر السوريين النابع من حس وطني مرهف، وصمودهم في وجه العدوان الهمجي المتعدد الأركان والمطامع، بممكناته الضخمة، من المدهشات التي يتميز بها البلد الذي أظهر، في الحرب المديدة المستمرة منذ ما يقارب الأربع سنوات، قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، المتجسدة في دولة وطنية تستحق هذه الصفة. وليس هناك خلاف على أن انتصار هذه الدولة هو الأولويّة الأولى بالنسبة لأي وطني سوري، ولكن ذلك لا يستبعد، بل يفرض الشروع في برنامج اجتماعي وطني.

وأول نقطة على هذا البرنامج تتمثل في احترام صمود السوريين، وتلافي التصريحات المستفزّة اجتماعياً. فإذا كان الوزير وليد المعلم يؤكد أنه لم يعد ممكنا تجاهل الرأي العام السوري في رسم السياسات الخارجية، فالأولى عدم تجاهله في ما يتصل بالسياسات الاجتماعية والاعلامية الخ؛ ينبغي احترام هذا الشعب الصامد ومشاعره ووجدانه وعقله.

النقطة الثانية، تتعلق بأسر الشهداء والجرحى من أبطال الجيش العربي السوري؛ فمَن أولى من هؤلاء بالرعاية والحدب والتكريم والامتيازات؟ من المؤسف أن تكون هناك شكاوى معيشية أو شكاوى الإهمال، في أوساط هذه الأسر. ولعله آن الأوان لقيام مؤسسة مستقلة دينامية متخصصة برعاية أسر الشهداء والجرحى، وتوفير كل مستلزماتها الحياتية، خارج البيروقراطية الحكومية.

النقطة الثالثة تكمن في ضرورة ابداع برنامج اجتماعي قادر على توفير الحماية للفئات الأكثر فقرا وتأثرا بآثار الحرب.

غير أن الحس العام بالعدالة، يظل هو الأساس في مسيرة الصمود والنصر؛ صحيح أن الدولة في حاجة اليوم للجميع، بمن فيهم أصحاب الثروات والامتيازات، إلا أنه من الصحيح أيضا، أن الثروات والامتيازات تُبهظ المجتمع، وتخدش الوجدان الجمعي، وتوهن المعنويات؛ مشكلة مطروحة بقوة، بحاجة إلى حل نوعي وذكي ووطني. وأول خطوة في طريق هذا الحل، هي طرحها للحوار العام ومكاشفة الرأي العام بالحقائق؛ نعود، إذاً، لنبدأ من ضرورة ولادة اعلام سوري جديد؛ اعلام الحرب هو اعلام الحقيقة والحوار والناس.