Site icon IMLebanon

سوريا …والحروب المتداخلة

بدأت روسيا بالاستعداد للتدخّل المباشر في سوريا، وسط أجواءٍ إزداد فيها حجم القلق والتوتر من اتساع رقعة دولة «داعش»، حيثُ برّر الرئيس الروسي قراره بشنّ غارات على مواقع التنظيم بأنَّها حرب إستباقية. الروس أخذوا زمام المبادرة قبل أن يباغتهم خطر «داعش» في عقر دارهم، لا سيما بعدما تواترت المعلومات عن انضمام المواطنين من دول القوقاز التابعة للإتحاد السوفياتي السابق إلى صفوف «داعش»، وتهديده للأمن القومي الروسي.

راهن الكرملين على موافقة الحكومة السورية لضرب تنظيم «داعش» ومواصلة الغارات على مواقع تواجد عناصر ما يُسمى دولة الخلافة، ومحاولة استعادة المساحات التي قد سيطر عليها. وما كان يركّز عليه «داعش» منذ البداية هو إحكام سيطرته على المناطق الإستراتيجية التي تتوافر فيها مصادر الطاقة التي تخدم مشروعه التوسّعي.

كما حاول التنظيم أيضاً إخضاع المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا وتركيا لإمرته. روسيا استفادت من وجود الثغرات في التحالف الذي تتزعّمه الولايات المتحدة لمحاربة «داعش» وغياب الخطط الواضحة والمُحْكمة لذلك.

وما ألقته الطائرات الأميركية من الذخائر العكسرية إلى المعارضة السورية دون احتراز ووقوعها في يد مقاتلي التنظيم أكّد وجودَ تضارب في تعامُل أميركا مع خطر الإرهاب.

زِد على ذلك أنّ روسيا تستميت فى حماية سوريا بوصفها منطقة نفوذها وتضع نُصْب عينيها التجربة الليبية في إدراتها للملف السوري. لكنّ التواجد العسكري الروسي في سوريا قد دفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى تعديل في تكتيكاتها، إذ أرسلت الخبراء العسكريين إلى سوريا لمساندة القوى المعارِضة، بالتزامن مع الجولة الثانية من مُحادثات فيينا.

تصاعُد التوتر

أَخَذ بعض الدول الإقليمية القرار الروسي بالتدخّل المباشر في سوريا بالحساسية. وساد الاعتقاد أنَّ ما يهدف إليه الكرملين هو تقويض المعارضة وحماية النظام السوري، وذلك يعني فتح جبهة حرب غير مباشرة مع الدول التي تدعم الأطراف المناوئة للنظام السوري، ولا تقبل بوجود الرئيس بشار الأسد كطرف في الحلّ.

وبما أن تركيا هي دولة مجاورة مع سوريا وتجمع البلدَين حدودٌ شاسعة، لذلك كان متوقعاً أن تكون حكومة أنقرة معترضة على قصف المقاتلات الروسية لمناطق حدودية بين سوريا وتركيا واعتبارها خطراً على مصالحها وإستفزازاً لها، خصوصاً أنّ تركيا هي قوّة أساسية في المحور الذي لا يساوم على رحيل بشار الأسد، بخلاف ما تُطالب به موسكو من أن يكون الرئيس السوري جزءاً من الحلّ أو أن يُحيل هذا الملف للشعب السوري ليحسمه.

تصادُم المشاريع

بعدما حقّق حزب العدالة والتنمية فوزاً كبيراً في الدورة الثانية للإنتخابات التركية التي أجريت في بداية تشرين الثاني، توقّع المراقبون بأن يكون لهذا الإستحقاق تأثيرٌ على النزاع السوري.

الرئيس رجب طيب أردوغان يُحاول توظيف نجاحاته وتنامي شعبيته على الصعيد الخارجي، ويُشدِّد في مواقفه ضدّ النظام السوري ومَن يسانده لتعويمه. وجاءت حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني ومقتل طياريها لتُصعِّد التوتر بين روسيا وتركيا.

فقد وصف الرئيس الروسي ما قامت به تركيا من استهداف المقاتلات الروسية متذرّعة بإختراق الطائرات الروسية لمجال الجوّ التركي، بأنه طعن في الظهر، وقرّرت الحكومة الروسية فرضَ عقوبات إقتصادية على تركيا. وعلى رغم محاولات أنقرة للتفاهم والتنسيق مع الجانب الروسي، إلّا أنّ فلاديمير بوتين تجاهل مطالب الرئيس التركي ورفض مقابلته على هامش قمّة المناخ المنعقدة في باريس.

بوتين أكّد في خطابه السنوي أمام الجمعية الفيدرالية الروسية على أنّ الزمرة الحاكمة في تركيا ستندم على فعلتها. هنا يجب أن نتوقع هذا التوتر السائد بين الدولتين الروسية والتركية في سياقٍ أوسع.

فتركيا تريد استعادة مشروعها الأمبراطوري بحلّة جديدة، وأن تكون لها مشاركة واسعة في إعادة رسم خريطة المنطقة بحيث تخدم التحوّلات مشروعها في توسيع نفوذها.

فهي رسمت سياسة مستقلّة بها، وإذا أرادت التنسيق مع بعض دول المنطقة التي تلتقي معها مصالحها تحسب هذه الخطوة وفقاً لمنطق الربح والخسارة.

لذلك لم توافق في الإنضمام إلى التحالف الدولي القائم ضدّ داعش، إلّا بعدما أدركت ضرورة التقارب مع الولايات المتحدة لمواجهة التمدّد الروسي. كما سعت أن تجمع حزب العمال الكردستاني مع «داعش» في صفّ الإرهاب، لتصيبَ عصفورَين بحجر واحد.

في المقابل، فإنّ روسيا في عهد بوتين تتحكّم بها عقدة إنهيار الإتحاد السوفياتي وتحسُّر بوتين على ضياع الأمبراطورية الشيوعية. فهو يعترض على نظام الأحادية القطبية ويسعى للمساهمة في إنشاء عالم متعدّد الأقطاب تكون فيه روسيا أحد لاعبيه الأساسيين. وعلى مايبدو، فإنّ بوتين قرّر مقارعة حلف الناتو على جبهات عدة في أوكرانيا وسوريا وذلك عقب محاولات رامية لتطويق روسيا من خلال إسقاط ليبيا وفتح الأبواب لتوسيع حلف الناتو.

وما زاد من حدّة الغضب الروسي هو مسارعة أميركا ودول الحلف الأطلسي لتركيا، إذ أكد الرئيس الأميركي على حقّ تركيا في حماية سيادتها وحدودها. وبذلك قد بدا أنّ حال التوافق الروسي والأوروبي حول أولويّة محاربة «داعش» قد تصدّعت وعادت المعادلة السورية إلى حالها المعقدة.

خطورة الموقف

الرئيس التركي صرّح بأنهم لو عرفوا بأنّ الطائرة هي روسية لتصرّفوا بأسلوب مختلف، وذلك يوحي بأنّ الأتراك قد أدركوا خطورة الموقف وحساسية المناورة مع روسيا. كما أنّ أميركا ليست مستعدةً لنسف مشروع مؤتمر فيينا، الذي من المقرَّر أن يجمع المعارضة مع النظام السوري.

وما تدافُع الدول الأوروبية وانخراطها في الحرب الجوّية ضدّ «داعش» سوى دليل على ما وصل إليه الصراع من التشابك والتعقيد في منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت مسرحاً لحروبٍ متداخلة.