ما كاد «الإحتفاء» بتوقيع إتفاق الإطار النووي بين إيران ومجموعة دول 5+1 ينتهي، حتى بدأت سلسلة لقاءات وأحداث سياسية بالغة الأهمية تأخذ مكانتها، لتحديد معالم المرحلة المقبلة في المنطقة.
لكنّ أكثر ما فاجأ المراقبين هو قول الرئيس الأميركي باراك أوباما للكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقابلة معه، إنه سيبلغ الى دول الخليج خلال القمة المرتقبة له مع قادتها في كامب ديفيد، و«أنّ عليها أن تكون أكثر فاعلية في معالجة الأزمات الإقليمية»، ورغبته برؤية العرب يحاربون الإنتهاكات الفظيعة التي يرتكبها الرئيس بشار الأسد في سوريا، وتأكيده أنّ بلاده ستلتزم الدفاع عنهم ضدّ أيّ هجوم خارجي.
فهل هذا يعني التمهيد لـ«عاصفة حزم» أخرى خاصة في سوريا؟
في المعلومات المتداوَلة في العاصمة الأميركية أنّ مرحلة ما بعد الإتفاق النووي قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً لناحية تبلور دينامية سياسية إقليمية لم تعهدها المنطقة.
فالحراك السياسي الذي انطلق مع بدء التحالف الذي تقود السعودية ضرباته الجوّية في اليمن، مرشَحٌ للتحوّل حلفاً أكثر صلابة، في وقت تسعى الاطراف المعنية الى قراءة الموقف الأميركي انطلاقاً من مخرجاته.
ولعلّ تصريحات أوباما حول دول الخليج تحسم في أنّ واشنطن لم تعد ترغب بلعب دور «الشرطي» الوحيد، وعلى تلك الدول أن «تقلع شوكها بأيديها».
تقول أوساط أميركية «إنّ ما تقدّمه واشنطن للمنطقة بعد الإتفاق على مستقبل الملف النووي لإيران، هو فرصة حقيقية لفرض توازن معها، على رغم كلّ «الإعجاب» الذي يكنّه أوباما لدورها وتاريخها الثقافي والحضاري. فالتوازن معها من شأنه أن يخلقَ أيضاً شعوراً بالأمان للحليف الاستراتيجي، إسرائيل».
وتتابع تلك الأوساط بإهتمام بالغ ما قد تُسفر عنه زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف الى تركيا، التي توجه بعدها رئيسها رجب طيب اردوغان الى طهران، مسبوقاً بموقف بالغ الهجومية، على رغم تخفيف حدّته ببيان رئاسي تحدّث عن ضرورة الحلّ السلمي في اليمن.
وتؤكد تلك الأوساط أنّ الملف الأبرز الذي بحثه بن نايف هو الملف السوري، فيما تشير معطيات عدّة الى أنّ عملية إعادة ترتيب محمومة للمعارضة السورية، وإبعادها عن الجماعات الأكثر تطرّفاً، تجرى على قدم وساق.
وتعتقد بأنّ السعودية ستطلب رفعَ الغطاء عملياً عن «داعش»، فيما ستتولّى مع آخرين إعادة تموضع التنظيمات الإسلامية الاخرى وعلى رأسها «جبهة النصرة»، بينما يستعدّ الباكستانيون لإجبار زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري على حلّها رسمياً.
قرار مشاركة باكستان رسمياً في التحالف العربي والإسلامي في اليمن لم يصدر بعد، والأمر قد يأخذ نقاشاً ليس يسيراً بسبب ضخامة هذه المشاركة وكلفتها وتبعاتها، ما لم تُبلوَر الأهداف السياسية الإستراتيجية لهذا التحالف على المدى البعيد.
غير أنّ إرهاصات المصاعب التي قد تطرأ على الحدود الباكستانية ـ الإيرانية، بدأت نذرها مع مقتل حرس الحدود الإيرانيين أمس الاول برصاص مجهولين، والإعلان عن تشكيل «الإئتلاف الوطني الاحوازي»، وطلبه الإنضمام الى الجامعة العربية.
هكذا يُنظر ايضاً الى الإستعدادات للعملية البرية المرشَح حصولها في اليمن، لحظة الإعلان عن إكتمال العناصر السياسية لهذا التحالف، خصوصاً أنّ المعلومات العسكرية تفيد بأنّ الجيش السعودي يواصل استعداداته الميدانية، فيما المصريون ينتظرون ساعة الصفر.
هناك مَن يتحدث عن تجاوز موضوعي للدور الأميركي تجاه ما يجرى على الارض، من دون أن يعني أنّ تصادماً قد يحصل لاحقاً بين واشنطن وحلفائها التقليديين.
على العكس فهو نتيجة طبيعية لقرار واشنطن الإستقالة من المنطقة، فيما يعبّر آخرون عن إستيائهم مما حدث في تكريت، وإنزعاجهم من تصريحات المتحدث بإسم البنتاغون الكولونيل ستيف وارن، عن «مثالية» التنسيق الذي جرى بين الأميركيين والعراقيين فيها، بحيث بدا الأمر وكأنّ واشنطن تغذي او أقلّه، تغطي الصراع المذهبي، ليس في العراق وحده بل وفي المنطقة برمّتها.
فالتجاوزاتُ التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشعبي في تلك المدينة، أثارت نقاشاً سياسياً واخلاقياً وعسكرياً في واشنطن. ويعتقد مراقبون أنّ زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى أربيل حاولت تطويق مفاعيل ما حصل في تكريت وردمه، استعداداً لإستكمال معركة تحرير نينوى والأنبار والموصل.
غير أنّ الأنظار تتّجه الآن وأكثر من أيّ وقت مضى إلى ما يمكن أن يحدث في سوريا، حيث يُعتقد أنّ الأطراف الإقليمية ستسعى للضغط على إيران في تلك الجبهة لإجبارها على التفاوض في مختلف الملفات، من العراق الى سوريا الى اليمن.