IMLebanon

سوريا: الرئيس الموقّت والنظام الجديد

من حقيبة النهار الديبلوماسية –

“الحقيقة الأساسية التي تفرض ذاتها على مفاوضات جنيف وعلى مسار الأوضاع هي أن قيام نظام جديد في سوريا أمر حتمي وضروري من أجل انهاء الحرب والانتقال الى مرحلة الاستقرار والأمن والسلام، ولن يستطيع الرئيس بشار الأسد ولو دعمته إيران منع قيام النظام الجديد بل يستطيع تأجيل تنفيذ عملية التغيير الجذري هذه فترة من الزمان وليس أكثر من طريق محاولة عرقلة مفاوضات جنيف مع المعارضة والتمسّك بمواصلة حرب لن تحقق له أهدافه”. هذا ما أوضحه لنا مسؤول دولي في باريس معني بالملف السوري. وقال إن قيام نظام جديد أمر حتمي وهذا مردّه الى العوامل والأسباب الأساسية الآتية:

أولاً، فشل نظام الأسد في الحرب والسلم ودمّر ذاته بذاته وفقد القدرة على حكم سوريا والإمساك بها وإدارة شؤونها ومعالجة مشاكلها الهائلة ولم يستطع الانتصار عسكرياً أو سياسياً على المعارضين والثوار على رغم الدعم الكبير الذي قدمه له حلفاؤه ولم يطرح أي مشروع حلّ سياسي للأزمة مقبول داخلياً وخارجياً ورفض تنفيذ المطالب الإقليمية والدولية والسورية الداعية الى تسوية الصراع سلمياً وانقاذ البلد. وبات مصير الأسد ونظامه ورقة مساومة يستخدمها الروس في مفاوضاتهم مع أميركا وحلفائها.

ثانياً، روسيا أنقذت نظام الأسد من أجل دفعه الى التفاوض جدياً على الحل السلمي للأزمة وهي أسقطت الرهان على مواصلة حرب طويلة ضد المعارضة المعتدلة وباتت تركز جهودها على إنجاز حل سياسي شامل للصراع بالتفاهم مع أميركا والدول الحليفة لها يحقق لها مكاسب سياسية واستراتيجية.

ثالثاً، روسيا وقّعت اتفاقاً رسمياً مع أميركا واتفقت معها ومع الدول المؤثرة الأخرى على جملة قرارات وتفاهمات دولية رسمية واضحة، أبرزها قرار مجلس الأمن الرقم 2254 وبيان جنيف للعام 2012 وهي تنص كلها على أن الحل السياسي للأزمة يتطلّب الانتقال من طريق المفاوضات بين ممثلي النظام والمعارضة المعتدلة الى نظام جديد يحقّق التطلعات والمطالب المشروعة لكل مكونات الشعب. وهذا يعني أن روسيا ترفض بقاء نظام الأسد بتركيبته وتوجهاته الراهنة.

واستناداً الى المسؤول الدولي فإن المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستافان دو ميستورا يدرك أربعة أمور أساسية تتعلّق بمصير الأسد هي: أولاً، ان وجود الأسد في السلطة موقت وان قرار بقائه رئيساً للبلاد ليس مرتبطاً بما يريده لأن الحرب بدّلت جذرياً الأوضاع وانتزعت منه القدرة على الاحتفاظ بمنصبه بقرار منه فترة طويلة من الزمان. ثانياً، ليس ممكناً وواقعياً أن تنتقل السلطة الى نظام جديد وأن يبقى الأسد في منصبه. ثالثاً، ان مصير الأسد بات جزءاً من عملية التفاوض بين واشنطن وموسكو وسيكون جزءاً أساسياً من مفاوضات جنيف. رابعاً، ليس ممكناً تجاهل كون الغالبية من الدول الأعضاء في المجموعة الدولية لدعم سوريا وعلى رأسها أميركا والدول الحليفة لها تتمسك بضرورة رحيل الأسد من أجل تحقيق السلام وليس ممكناً تجاهل واقع كون الحرب التي فجرها الرئيس السوري ضد شعبه المحتج ألحقت الكوارث بسوريا في كل المجالات. وهذه الوقائع أقوى من أي استفتاء شعبي على مصير الأسد.

واستناداً الى المسؤول الدولي فإن الاقتراح الذي طرحه دو ميستورا وأوضح أنه ليس منه ويقضي ببقاء الأسد بصلاحيات محدودة في المرحلة الانتقالية مع تعيين ثلاثة نوّاب له تختارهم المعارضة يظهر أن مفاوضات جنيف دخلت في صلب الموضوع ولو رفضت المعارضة هذا الاقتراح، وهذا مردّه الى عاملين: الأول أنه لن تكون ثمة عملية تفاوضية حقيقية في حال رفض النظام تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وممارستها السلطات التنفيذية ا لكاملة الأمر الذي يتطلّب من الأسد التخلي عن سلطاته لمصلحة هيئة الحكم. العامل الثاني هو ان القرارات والتفاهمات الدولية بما فيها بيان جنيف للعام 2012 تمنح وفد المعارضة الحق في رفض وجود الأسد في هيئة الحكم الانتقالي إذ أنها تنصّ بوضوح على أن هيئة الحكم هذه ستشكل على أساس “القبول المتبادل” من وفدي النظام والمعارضة مما يمنح المعارضة حق المطالبة بابعاد الأسد عن تركيبة الحكم الجديد.

وخلص المسؤول الدولي الى القول: “وزير الخارجية الأميركي جون كيري لخّص الموقف في محادثاته الأخيرة مع المسؤولين الروس على الشكل الآتي: إما العمل جدياً على إنجاز التفاهمات الدولية وتحقيق السلام الأمر الذي يتطلب رحيل الأسد عن السلطة وقيام نظام جديد، وإما مواصلة حرب عبثية لن تحقق لروسيا ولأي طرف المكاسب بل إنها تلحق بسوريا المزيد من الكوارث والدماء والخراب وتعزّز الإرهاب وتقود في النهاية الى رحيل الأسد.