حسناً فعل رئيس فرنسا فرنسوا هولاند عندما عبّر علانية عن ندمه لأنه وحكومته لم يدعما بقوة منذ صيف عام 2013 المعارضة السورية المعتدلة. طبعاً الندم لا يفيد وخصوصاً بعدما كان صاحبه وصف ما يجري في تلك البلاد بثورة “دكاترة” ومدرِّسين موحياً بذلك أنهم سيفشلون. إلا أن الشعور به والتعبير عنه مهمّان لأنهما يعكسان قراراً جدياً بالعمل لتعويض الأذى الذي ألحقته المواقف المذكورة بالشعب السوري الأعزل، كما بمقاوميه المعتدلين الذين يكاد نظام الأسد “وعدوه” “داعش” مع التنظيمات الأصولية المتشددة أن يقضيا عليهم ويتقاسما البلاد في شكل أو في آخر.
انطلاقاً من ذلك، يقول باحثون أميركيون جدّيون، يواجه العالم حالياً حرباً أهلية في سوريا وتوسعاً جغرافياً وعسكرياً لـ”داعش”. ويضيفون أن “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب” يشعر براحة لنجاحه النسبي في احتواء هذا التنظيم في العراق. لكنهم يلفتون إلى أن ارتياحه خادع ومضلل. فوجود قوات “داعش” يجب أن لا يُنظر إليه بطريقة تقليدية. إذ أن فقدانه الزخم في بلاد الرافدين نسبي وموقَّت من جهة، وإيجابي من جهة أخرى. وهو ظاهر على الأرض. لكنه قد يشجِّع على الخروج باستنتاجات خادعة ومضلِّلة. فظاهرة “داعش” مزيج من عوامل عدة. والمجتمع الدولي لا يستطيع إيجاد حلول لها. لكن واجبه بسبب ذلك ليس تقليص عمليات “داعش” وإنهاء زخمه على أهمية الأمرين. إذ أن العراق لن يتخلَّص منه ابداً من دون تخلُّص سوريا منه. واستمرار الحرب في الأخيرة هو المصدر الرئيسي إن لم يكن الوحيد لنمو هذا التنظيم، ولتزايد زخمه الجهادي إقليمياً ودولياً. وهو أيضاً مصدر الإستقطاب السخيف في الشرق الأوسط، وتعاظم المذهبية عند المسلمين. وهو ثالثاً تهديد جدِّي وكبير للإستقرار في شرق المتوسط. ففظائعه في أوساط المدنيين ومجازره ضد الأقليات المتنوعة مرعبة، ومن شأن ذلك تفتيت سوريا وتحويلها مصدراً دائماً للإرهاب والعنف. وبكل بساطة يجب أن يوقف المجتمع الدولي ذلك.
كيف يستطيع المجتمع المذكور وقفه؟
ليس بمبادرة ستيفان دو ميستورا مبعوث الأمم المتحدة وخطته المتهالكة يجيب الباحثون أنفسهم. وهو يعرف ذلك، كما تعرف موسكو ورغم تهديداتها أن مبادرتها لن توقِف الحرب الأهلية في سوريا، والإرهاب الذي يقوم به النظام والإسلاميون الذين يقاتلونه. بل بتنفيذ قرار الرئيس أوباما تدريب المعارضة السورية المعتدلة وبإعدادها جيداً لكي تبدأ فرض الإستقرار في سوريا عندما يتوضّح مستقبلها ويبدأ رسم معالمه على الأرض. وعلى هذا فأن غشّ الذات أمر غير مفيد بل إنه مؤذٍ.
ويعني ذلك أن استعادة العراق لن تكون ممكنة من دون استعادة سوريا. ولاستعادتها لا بد من وضع ترتيب جدّي إقليمي مدعوم دولياً. ولا بد من وقف دعم إيران للأسد ونظامه. ولا بد من تخلِّيه عن السلطة. ولا بد من استكمال نزع القسم الذي لم يصرِّح عنه من أسلحته الكيماوية. وإحجام المجتمع الدولي عن ذلك واستمرار زعيمته أميركا في “التساهل” مع الأسد خوفاً من الإرهاب سيؤدي إلى اقتسام الاثنين أرض سوريا وربما في صورة دائمة.
ماذا يجب أن تفعل أميركا تحديداً لتلافي ذلك؟
يجب أن تتبنى مقاربة من أربع نقاط، يجيب باحثون جدّيون في مركز أبحاث ناشط، هي الآتية:
1 – قبول حقيقة أن دولة سوريا الأسد الفاشلة ستنقسم ما دام مسموحاً استمرارها. ويعني ذلك أن بقاء الأسد في موقعه ومعه نظامه سيكون “مغناطيساً” قوياً يجذب كل الجهاديين إلى بلاده، ويضاعف من التوتر أو الصراع السنّي – الشيعي في المنطقة.
2 – عدم خفض الضغوط على الأسد. وعلى واشنطن، بدلاً من السماح له بتقوية وضعه، العمل لإضعافه و”داعش” وأمثاله بتشجيعهم على الإقتتال. وذلك يُضعِف فصائل إيران المقاتلة في سوريا والجهاديين في وقت واحد. كما عليها أن لا تكتفي بغارات على “داعش” وأمثاله بل أن تشمل بنعمتها قوات الأسد الذي قال في الـ20 من الجاري أنه سيقاتل القوات المعارِضة المعتدلة التي ستدرِّبها أميركا عندما تدخل سوريا.
3 – مساعدة المعتدلين على محاربة النظام والجهاديين في آن واستعادة أراضٍ منهما.
4 – وضع إستراتيجيا لإزاحة الأسد بالطرق الديبلوماسية والإعلامية والإقتصادية – العسكرية. ذلك أن استمراره سيعني تقسيماً حتمياً لسوريا.