تبدو قصّة أردوغان السورية صعبة القراءة. لكنها في السياق والسبك والحبكة والخلاصة أهم وأصدق وأرقى من قصص الأميركيين المتعلقة بالموضوع ذاته. عدا عن كونها تغطي الجانب الآخر المواجه للضخّ الاقليمي الممانع في شأن تلك النكبة وطبيعتها وأسبابها.
أهم ما في تلك القصة انها بقيت في عناوينها وتفاصيلها واضحة من دون خربشات: سلطة بشار الأسد انتهت وصارت من الماضي. وإذا كان الحاضر ملتبساً فإن المستقبل لا يمكن أن يحتمل أو يتحمّل أي ذرّة من ذلك الالتباس.. من سابع المستحيلات وتاسعها وعاشرها، أن يُعاد تركيب الوضع السوري على أساسات ومساند شبيهة بتلك التي أوصلت نكبة ذلك الوضع الى ذروتها، والى حدّ ان بعض الفلسطينيين من ضحايا النكبة الأولى (الأصلية!) صار يعتبر نفسه محظوظاً مقارنة بالسوريين والفظاعات اللاحقة بهم!
يؤخذ على التكتيك التركي، من وجهة النظر العربية، الكثير من الملاحظات، لكن لا يمكن المجادلة في أن السيد أردوغان لم يغيّر موقفه السوري برغم جبال الضغوط والتحديات التي واجهته: على المستوى الداخلي قبل أن تلجم صحّة حساباته المعارضة وتمنعها من الاستطرادات والتوظيفات والمزايدات. وعلى المستوى الخارجي قبل أن يقرر مستر أوباما أن الخطر السوري وبائي ولا بد من التحرك لمحاصرته قبل استفحاله.
في موضوع عين العرب (كوباني)، كما في أساس التحالف الدولي الراهن، وقف الأتراك في مكانهم وقالوا لا مرّتين. مرّة ضد الصراخ الهلِعْ على مصير المدينة الكردية المنكوبة من قِبل من تفرّج على تدمير معظم مدن وحواضر سوريا على مدى ثلاث سنوات وسبعة أشهر من دون أن تستنفره أو تستفزه تلك الفظاعات المشتملة على استخدام السلاح الكيماوي والغازات السامة! ومرّة ضد إعلان الحرب على «داعش» والارهاب وتجاهل حجر الرحى في تلك الطاحونة البشرية، أي سلطة الأسد بكل تركيبتها.
وليس أمراً بسيطاً أن يقف أردوغان ويقول لا للأميركيين في شأن مقاربتهم وسياستهم (أو لا سياستهم) السورية! مثلما سبق وقال لهم لا في «سياستهم الإسرائيلية»! في المرتين يمكن الافتراض، ان الرجل وضع مصلحة بلاده قبل التحالفات والصداقات وأثقال الارث والطموحات (الأوروبية!). بل يمكن الافتراض أكثر، انه في المرتين وضع مصلحة بلاده في قارب واحد مع مصالح جيرانه العرب والمسلمين، فيما غيره مستعد لأن يقول ألف ألف نعم للأميركيين وغيرهم على حساب جيرانه العرب والمسلمين!.