Site icon IMLebanon

سوريا: نحو اعتراف دولي بالمناطق الكردية؟

 

– لو فيغارو

ستقوم الولايات المتحدة الأميركية بتدريب 30 الف جندي للحفاظ على حدود المناطق الكردية في شمال سوريا مع تركيا. وتودّ باريس أن يُحاكم الجهاديون المحتجزون لدى الأكراد في أرضهم. وردّاً على هذه المؤشّرات لصالح الاستقلالية الكردية، هاجمت تركيا المواقع الكردية.

على عكس «إخوتهم» العراقيين، لا يطالب أكراد شمال سوريا بالاستقلال. يؤكّد أحد قادتهم آلدار خليل لـ»لو فيغارو» خلال زيارة له في باريس: «نحن جزء لا يتجزّأ من الأراضي السورية». وهم يحاربون من أجل إنشاء «فدرالية للمناطق الكردية» في سوريا ستتمتّع باستقلاليّة عن الحكومة المركزية في دمشق.

وهم لا يتجاهلون قيود الديموغرافيا: ففي العراق، يسكن المناطق المستقلّة الكردية الثلاث غالبية من الأكراد. ولكن في سوريا، يعيش عنصر عربي مهمّ بين «الكانتونات» الكردية الثلاثة في الشمال.

لقد تعرّض الأكراد للاضطهاد منذ فترة طويلة من قبل النظام السوري الذي نزع منذ عام 1961، الجنسية من عشرات الآلاف من الأكراد الذين ثاروا عام 2004. مستفيدين من رحيل القوات السورية في بداية الانتفاضة ضدّ بشّار الأسد في عام 2012، بدأ الأكراد تجربة جديدة في الإدارة الذاتية.

فكانت مزيجاً من الماوية واليوتوبيا الثورية التي أغرَت العديد من المثاليّين الغربيّين من خلال إنشاء البلديّات و«الأحياء» و«الكانتونات». والطريق الثالث بين الديكتاتوريات والإسلاميين، الذي يسمح في الواقع بإنشاء قاعدة بيانات بشأن السكّان لصالح «حزب الاتحاد الديموقراطي»، أي الفرع السوري لـ»حزب العمال الكردستاني»، الذي يقود حرب عصابات على الأراضي التركية، حيث يُعتبر منظّمة إرهابية.

ولكن لم يقطع «حزب الاتحاد الديموقراطي» أبداً علاقاته مع دمشق، وتمّ التفاوض بخصوص انسحاب قواته مع الأكراد. وعلى المدى الطويل، قد تنضمّ «الفدرالية الكرديّة» السورية إلى تلك العراقية والتركية، إذا أُنشأت هذه الأخيرة يوماً. هذا تمركز شامل من الصعب أن يحافظ عليه الأكراد السوريون.

كيف يمكن أن تنتهي العملية التركيّة؟

إنّ الهدف وراء الحرب الذي نشرته أنقرة منذ إطلاق هجومها العسكري يوم السبت 20 كانون الثاني من هجومه العسكري هو إنشاء في القطاع الكردي السوري «منطقة آمنة» يصل عمقها إلى حوالى 30 كلم، لتجنّب إنشاء «فدرالية المناطق الكردية المستقلّة». وتحارب أنقرة المشروع الكردي الذي يقضي على ربط «كانتون» عفرين في الشمال الغربي، الذي يستهدفه القصف التركي، بأولئك في شرق كوباني وإقليم الجزيرة.

وفي صيف عام 2016، بدأت القوات التركيّة أوّل عملية عسكرية، مستعيدين بالتالي السيطرة على جزء من الأراضي بين جرابلس وأعزاز. وأيّد حليفهم الروسي الجديد في الحرب في سوريا هذه العملية. وفي مقابل ذلك، سحبت تركيا من حلب المتمردين ضدّ الأسد القريبين منها، ما سهّل الاستعادة الرمزيّة للمدينة الثانية السوريّة من قبل دمشق وحلفائها الروس والإيرانيين. وبدأ الأتراك هجماتهم على منطقة عفرين في 21 كانون الثاني.

وأكّد خبير في النزاع السوري من لبنان أنّ: «هذا اختبار لمعرفة ما إذا كان الأكراد قادرون على الحفاظ على مواقعهم الذين حصلوا عليها من نظام دمشق». مضيفاً: «إذا صمد الأكراد بوجه الأتراك، ستوحّد طموحاتهم. ولكن إذا خسروا، سيمنح ذلك أفكاراً للنظام السوري الذي سيقدر على إضعافهم في كانتوناتهم الأخرى في الشرق».

وبالتالي وَجّه، يوم الخميس، أحد المسؤولين الكرديين في عفرين نداءً يحضّ فيه الأسد على منع القصف التركي على «الجيب» الكردي. ودمشق غير مستعجلة للإجابة. وأضاف الخبير: «يأمل الأسد أن يتكبّد الأتراك والأكراد خسائر نتيجة المعركة.

وعشيّة اندلاع العملية التركية، عرضت روسيا مساعدتها لأكراد عفرين، شريطة أن يتخلّوا عن المنطقة المحصورة في دمشق. ولكن رفض الأكراد الاقتراح. ولكن هل سيرفضونه طويلاً أمام قوة النيران التركية؟ وأفاد آلدار خليل: «نحن نواجه عدوانا شرسا». وشرح الخبير في لبنان: «وكأنّ الأتراك يريدون تدمير الطرق والجسور، لا بل المؤسسات التي بناها الأكراد منذ 2012».

أي خيارات للولايات المتحدة الأميركية؟

إختارت الولايات المتحدة، حليفة تركيا في حلف شمال الأطلسي، وحليفة الأكراد أيضاً الذين يتلقّون الاستشارة من 2000 جندي أميركي، الأكراد كوسيلة لإعادة الاستثمار في الفوضى السورية. وقبل 5 أيام من اندلاع العملية التركية أعلنت واشنطن تدريب 30 ألف جندي – نصفهم من الأكراد ونصفهم من العرب- الذين سيصبحون حرس حدود المناطق الكردية المستقلة في شمال سوريا، ممّا أثار غضب الأتراك.

تتركّز أهداف الولايات المتحدة على مواجهة النفوذ الإيراني في هذه المنطقة الموجودة على الحدود العراقية، حيث لطهران نفوذ، وقطع الطريق على الأسد من استعادة السيطرة على هذه الأراضي. وأبعد من ذلك، تسعى الولايات المتحدة أن تكون صاحبة نفوذ في الاتفاقات المحلية التي يفرضها الروس على المتمردين، مثلما حصل في حلب نهاية عام 2016.

تمّ عقد اتفاق حلّ النزاع بين موسكو وواشنطن، يبقى الروس بموجبه غرب نهر الفرات – ناحية عفرين – والأميركيون في الشرق – ناحية منبج ما بعد الرقة التي انتزعها حلفاؤهم العرب والأكراد من داعش بدعم جوي من التحالف الدولي.

لا يشكّك الهجوم التركي في حقيقة أنّ الأميركيّين ليس لديهم طموحات تجاه عفرين. ولكن ألا يعترف مشروعهم من حرس الحدود بهذه «الفدرالية» للمناطق الكردية في شمال سوريا التي تحاربها تركيا؟ فيجيب ديبلوماسي من الأمم المتحدة المسؤول عن الملف السوري الذي يذكر «حدوداً إدارية» كما سبق وحصل في الماضي في كوسوفو: «نعم».

تعتزم واشنطن أيضاً، التي تنوي التركيز على إعادة بناء المنطقة، إرسال ديبلوماسيين على عجلة. ويشيد آلدار خليل بالخطوة قائلاً: «بعد أن تردّدوا، نحن نعتبر أنّ هذا الأمر هو قبول بالمشروع الفدرالي لجميع سوريا».

المشكلة: الإصرار التركي للذهاب إلى منبج لـ»تنظيف» قطاعات كردية أخرى يهدّد بإثارة اشتباكات مع القوات الاميركية المنتشرة. ولتفادي مثل هذا السيناريو، سيتفاوض الأميركيّون والأتراك على إنشاء هذه «المنطقة الأمنيّة» حول عفرين مقابل أن يقدّم الأتراك تنازلات للولايات المتحدة فيما يخصّ الحرس الحدودي.

لكنّ كثيراً من الخبراء يشكّون في أن تقبل أنقرة وجود «قوة كردية» في كانتونات الشرق السوري. لأنّ هناك أكراداً يتمركزون في المقلب المواجه لتركيا. وتريد أنقرة قطع إمكانية ضمّهم المحتمل.

وتواجه الولايات المتحدة عائقاً آخر وهو: استمرار الشعور العميق برفض الأكراد لدى عرب هذه المناطق الكردية، مثلما بيّنت المظاهرات الأخيرة في منبج. وصرّح قائد قبلي في اتصال هاتفي أنّ «العرب ينتظرون اللحظة المناسبة للانقلاب ضدّ الأكراد». ما يفسّر الجهود الأميركيية لإعادة هيكلة حلفائهم من القوات الديموقراطية السورية لصالح العرب. وباختصار، سيمتد الأكراد أبعد من قواعدهم بكثير.

يتّهم الأكراد الروس بأنهم اتفقوا مع الأتراك. ومباشرة قبل الهجوم التركي، سحب الروس قواتهم المتمركزة قرب عفرين، وحتّى تلك اللحظة، كان الروس والأكراد يتعاونون. وكانت موسكو قد انتزعت للأسد نسبة من الاستقلالية الكردية في الدستور السوري المقبل. وفي حال نشوء نزاعات بين المقاتلين الأكراد والمؤيدين للأسد في المناطق الكردية الذي يحتفظ فيها النظام ببعض نقاط الارتكاز، لعب الروس دور الوسطاء لتخفيف حدّة التوترات.

ولكن اليوم، يعتبر دبلوماسي عربي أنّ: «الروس يشكّون أن يكون الأكراد يلعبون الورقة الأميركيّة»، كما في مسألة الـ30000 حرس حدود، ولكن ليس فقط. تعارض السيطرة على آبار النفط التي تقع معظمها في المناطق الكردية بين الأكراد والروس.

ويوضح الدبلوماسي: «طالب الروس من الأكراد أن يمكن لشركات النفط الروسية العمل على هذه الحقول، كما تعمل في المناطق المؤيدة للنظام. ولكن، رفض حلفاؤهم الأكراد ذلك، تحت ضغوطات الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، تتقرّب روسيا من الأتراك بعد أن غضبت من الأكراد – ما يفسّر انسحاب رجالها من عفرين- دافعةً أنقرة للانفصال أكثر عن حليفها لأميركي الذي باتت العلاقات معه الآن متوترة للغاية.

إعتراف فرنسي بالمناطق الكردية؟
ويرحّب المسؤولون الاكراد بذلك، ولكن في السرّ فقط: وحقيقة أنّ فرنسا تشجّع محاكمة الجهاديين الفرنسيين الذين يحتجزهم الأكراد تساوي «بداية» الاعتراف بتطلعاتهم الفدرالية.

ففي الواقع، يقول ديبلوماسي كبير في «كي دورسيه»: «لا تزال هذه القضية موضوع نقاش». وفي حوار له مع «لو فيغارو»، ظلّ وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لو دريان غامضاً. كانت فرنسا فرانسوا هولاند مقرّبة جدّاً من الأكراد العراقيين والسوريين. ولكن على الأرجح، فرنسا إيمانويل ماكرون ليست مقرّبة بقدر سابقتها.

ولكن في هذا الملف أيضاً، الأفضلية للواقعيّة، من أجل التنقّل بين العوائق. وباريس، التي وضعت «حزب العمال الكردستاني» على لائحة الإرهاب، لا تتجاهل علاقات الأكراد المشبوهة بعدوّها بشار الأسد. وفي نفس الوقت، لا تستطيع فرنسا إزعاج تركيا، العنصر الأساسي لمنع عودة الجهاديين إلى فرنسا. ولأنّهم يدركون هذه القيود، يقول الأكراد إنّهم لا يريدون استخدام ورقة المجاهدين من أجل دفع باريس للذهاب أبعد في اعترافها بتطلعاتهم الفدرالية. ويبقى أن نرى ماذا سيحصل.