من يصدق أن نظام بشار الأسد كان سيلتزم الهدنة بعد خمس سنوات من قصف شعبه بطائراته وقنابله وغازه الكيماوي. وقف القتال والتراجع عنه ليسا موجودين في ثقافة عائلة الأسد ونظامه. وحده قرار مجلس الأمن الرقم 1559 أجبره على التراجع والخروج من لبنان. لكن لم يوقف تدخله، فاستمر في اغتيال شخصيات لبنانية عدة حتى انتقل إلى قتال أهل بلده.
الحاجة الآن ماسة إلى قرار مجلس أمن جديد يخرج الأسد من سورية. فأي إنسان على رأس بلد يحرم شعبه من المساعدات الإنسانية ويوقف القوافل الإغاثية ويعرض مسؤوليها للقتل ويقصف أبناء شعبه وأهله بالكيماوي ويفرغ المدن من معارضين له كي يرسم خريطة جديدة لمؤيديه؟
من استمع إلى مستشارة الأسد بثينة شعبان على القناة الرابعة البريطانية، وهي تقول للصحافية كاترين نيومان إن سورية تواجه الاستعمار وهيمنة الخارج، يدرك مدى إنكار الواقع المرير في أوساط نظام بلد يعيش تحت رحمة روسيا وإيران و «حزب الله». لو لم تدخل روسيا إلى سورية لما استطاع الأسد البقاء. وسيستمر ألم الشعب السوري طالما لم تتخل روسيا عن الأسد، فهو يقاتل شعبه للاستمرار على رأس بلد مدمر هُجر ملايين منه ولن يعودوا وهو في الحكم.
كان الاتفاق الروسي – الأميركي على الهدنة محكوماً بالفشل. صحيح أن المدنيين في المدن السورية متعطشين لوقف النار إذ أنهكهم القصف والقنص والقتل وتدمير المستشفيات وقتل الأطباء. لكن هدنة تم التفاوض عليها بين جون كيري الذي يتنازل كثيراً للثعلب الروسي سيرغي لافروف لم تحمل أي أمل بالنجاح، خصوصاً أن كيري كان وعد حلفاءه قبل ستة شهور بأنه لن يصل إلى اتفاق تعاون عسكري مع الروس إلا بضمانات روسية في شأن المرحلة الانتقالية في سورية. لكنه عاد وأعلن اتفاقاً للهدنة وإدخال المساعدات الإنسانية سرعان ما فشل من دون أن يكون هناك أي تغيير في الموقف الروسي من المرحلة الانتقالية.
كيف يمكن أن يوافق الجانب الأميركي على تبادل معلومات عسكرية واستخباراتية مع الجانب الروسي وروسيا تحارب وتحمي نظام بشار الأسد؟ وعد كيري مرات عدة المعارضة السورية بفرض إدخال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة من النظام ولكنه لم يفِ بوعده وفشل في ذلك. ولم يكن قصف قافلة المساعدات الإنسانية أمس سوى إجرام جديد من نظام يتغذى من راعييه الروسي والإيراني اللذين لا يعرفان معنى الإنسانية.
لا حل اليوم للوضع السوري حتى يقرر الحليف الروسي أن الأسد أصبح عبئاً عليه ويتخلص منه. وهذا لن يحصل إلا بتغيير في السياسة الأميركية التي كانت بالغة الضعف في وجه فلاديمير بوتين. وكل المفاوضات بين كيري ولافروف تشير إلى ذلك، كما مفاوضات أوباما مع بوتين بعد استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي.
تغيير الإدارة الأميركية قريباً إذا تم انتخاب هيلاري كلينتون قد يكون فرصة أفضل لإظهار حزم وقوة أكبر للسياسة الأميركية في مواجهة بوتين، ولو أن الولايات المتحدة لا تبالي بالشعب السوري واهتمامها الأول هو مصالحها، فقد ترى إدارة أميركية جديدة مصلحة في عدم ترك هيمنة روسيا على المنطقة والضغط عليها للتخلي عن بشار الأسد. فقد قال الجانب الروسي مراراً – لمن يريد الاستماع إليه – إنه ليس في زواج مع بشار الأسد، لكنه لا يرى بديلاً له. لهذا بإمكان احتمال تقاطع المصالح الأميركية – الروسية في عهد أميركي جديد أن يقلب المعادلة، على رغم أن ذلك يبقى مجرد رهان