IMLebanon

“سوريا المفيدة” غير “عيّيشة” وإيران “رابحة”!

لم ينجح أحد داخل أميركا وخارجها في إقناع الرئيس باراك أوباما بانتهاج سياسة في سوريا تنهي الإرهاب وتوقف الحرب الأهلية، وتساعد في إقامة نظام سياسي يتفق عليه السوريون يحترم حقوقهم ويساوي بينهم. ولم تنفع أيضاً المحاولات التي أجرتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ووزير الدفاع السابق تشاك هيغل، كما التي قام بها جنرالات كبار في الهيئة المشتركة للأركان، ولن تنفع محاولات مماثلة جديدة. فالرئيس لا يزال متمسكاً برأيه عدم التورّط عسكرياً في سوريا بل في الشرق الأوسط إلا إذا اضطرته المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلاده، وفي هذه الحال يكون التدخل بقوات خاصة قليلة وبقوات نظامية قليلة. وقد لاحظ العراقيون والسوريون ذلك في الأشهر الأخيرة. وهو لا يزال من دون استراتيجيا خاصة بسوريا. ولم ينجح حلفاؤه العرب والأتراك في الحصول على مساعدته لإقامة منطقة آمنة داخل سوريا أو على حدودها أو منطقة حظر طيران. ويؤكد ذلك ما قاله محلِّلون ومعلّقون داخل أميركا وخارجها، وهو أن الفرق بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأخير يعرف ماذا يريد بخلاف الأول. وقد ظهر ذلك واضحاً بخاصة في إبقاء الرئيس بشار الأسد على “عرشه” في “دويلته” وفي رئاسته لدولة مشلّعة، وفي تمكينه وإيران من استعادة زمام المبادرة العسكرية الميدانية، ومن المباشرة في تطويق حلب المدينة الثانية في سوريا. كما ظهر في توفير الأمن والضمانات لقاعدته العسكرية في مدينة طرطوس الساحلية على رغم أنها عديمة الجدوى في أي مواجهة جدية مع حلف شمال الأطلسي.

ماذا بعد ذلك؟

يجيب متابع عريق لأميركا في الشرق الأوسط ولا سيما في سوريا أن “الدويلة” التي سيبقى الأسد رئيساً لها سواء انحصرت في “سوريا المفيدة” كما يسميها الروس أو شملت الجغرافيا السورية الرسمية كلها لن تكون قابلة للحياة. والأسباب كثيرة، أولها تحوّل معظم المدن السورية الكبرى أكواماً من الركام بفعل المعارك والقصف الجوي والبري السوري، ثم القصف الجوي والبحري الصاروخي الروسي الذي بدأ قبل نحو أربعة أشهر ولا يزال مستمراً. وثانيها دمار البنى التحتية السورية كلها التي يحتاج إصلاحها إلى عشرات مليارات الدولارات. علماً أن توافر هذه المبالغ متعذّر جداً.

وثالثها تحوّل معظم السوريين المثقفين والمتعلمين وأصحاب الخبرات المتنوعة والمنتجين فعلاً إلى لاجئين في دول الجوار أو في العالم الأوسع. واستعداد قسم مهمّ من السوريين الذين كان لجوؤهم داخل بلادهم للهجرة إذا تأكدوا أن “الدويلة” أو الدولة “المشلّعة” غير قابلة للحياة. والأغنياء منهم سترافقهم أموالهم في لجوئهم الخارجي. أما رابع الأسباب فهو أن “قيصر” روسيا فلاديمير بوتين كسب عداوة المسلمين السنّة وحقدهم في العالم كله، ونسبتهم 85 في المئة من مسلمي العالم. وهؤلاء سينالون منه يوماً. في اختصار يمكن القول استناداً إلى كل المذكور إعلاه أن المنطقة ستبقى في حال اهتياج واضطراب وأن روسيا وإيران ستنزفان دماً كثيراً في سوريا وخارجها وستصرفان الكثير من الأموال لإبقاء الأسد على “عرشه”.

لماذا لم “يتحرك” أوباما لإنقاذ سوريا؟

أولاً لأن المشرق لم يكن يوماً ذا قيمة استراتيجية في رأي أميركا وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر ثمانينات القرن العشرين، يجيب المتابع الأميركي العريق نفسه. وثانياً لأن لا أحد في أميركا يريد صراعاً مع روسيا بسبب سوريا أو حولها. ولأن الآخرين وفي مقدمهم السعودية وتركيا فشلوا في سوريا. وما نجح فيه الأتراك كان إغضاب روسيا باسقاط طائرة حربية لها وبتورّطهم في حملة عسكرية ضد أكراد بلادهم. وثالثاً لأنهم (أي الأتراك) يأملون في أن تدفع موجة اللجوء السورية الجديدة بسبب الهجوم على حلب إلى أراضيهم أميركا وغيرها إلى إعلان منطقة آمنة داخل سوريا وخصوصاً إذا بدا أن تركيا قد تتعرَّض لهجوم مباشر. أما السعوديون فقد ورّطوا أنفسهم بحرب لا نهاية لها في اليمن ولا يزال عليهم “إنجاز” التحالف العسكري ضد الإرهاب الذي أعلنوه.

في اختصار، ينهي المتابع نفسه، لن يحقق إعلان منطقة آمنة داخل سوريا في حال الهجوم على اللاجئين السوريين شيئاً، فروسيا وإيران لا يريدان مزيداً من الأراضي بعد استكمال جغرافية “سوريا المفيدة”. والربح حتى الآن يقتصر على إيران التي حظيت بـ”الاتفاق النووي” والآخرون كلهم خاسرون. أما أميركا فخسارتها جسيمة لأنها فقدت ثقة حلفائها بها في المنطقة.