المشهد يزداد سوريالية في سوريا بمقدار ما تزداد التراجيديا الانسانية فيه وحشيّة. ولا شيء يوحي ان خط النهاية في العام السابع للحرب صار قريبا. فضلا عن ان تعقيدات المواقف وأجندات اللاعبين ترسم على الأرض مجموعة من خطوط النهاية متفاوتة زمنيا وجغرافيا. فالأزمة بين النظام والمعارضة تداخلت فيها عوامل اقليمية ودولية، بحيث صارت سوريا ساحة صراعات داخلية وخارجية مباشرة وبالوكالة، لا بل صارت حقل رماية حرّة.
ذلك ان اسرائيل تقصف من الجو مخزن أسلحة قيل انه تابع لحزب الله في محيط مطار دمشق الدولي. وهذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها اسرائيل أهدافا على الأرض السورية. وتركيا التي لها قوات على الأرض في الشمال تقصف جوا في سوريا والعراق أهدافا كردية. أميركا تقصف داعش والنصرة وتحمي القوات التي تستعد لتحرير الرقة من داعش، وهي القوات الكردية التي تقصفها تركيا جوا وبرا. وروسيا تقصف جوا وبرا وبحرا منفردة وأحيانا بمشاركة قوات النظام.
والحدود مفتوحة والكل على الأرض: قوات النظام. قوات المعارضين. داعش وجبهة النصرة وعدد كبير من التنظيمات الأصولية الارهابية التي يلتحق بها جهاديون من نحو ثمانين دولة أشرسهم من بلدان عربية وجمهوريات الاتحاد الروسي وأبرزهم الشيشان. قوات ايرانية من جيش وحرس ثوري. ميليشيات موالية لطهران من افغانستان والباكستان والعراق. وقوات النخبة في حزب الله اللبناني.
لكن التنسيق مستمر بين اللاعبين الكبار: الروس، التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، تركيا، واسرائيل. فلا هم يتصادمون. ولا المعارك بينهم واردة. وكل لاعب يختار الطرف الذي يقصفه، وأحيانا يبلغ اللاعبين الآخرين عن عملياته سلفا. أما التنظيمات على الأرض، فانها تخوض معارك متنوعة. بعضها يقاتل النظام الذي يعطي الأولوية لقتال المعارضة قبل تركيز الجهود على داعش والنصرة. وبعضها الآخر، ولا سيما التنظيمات الأصولية، يقاتل المعارضين بأكثر مما يقاتل النظام الذي تقاتل الى جانبه ايران والتنظيمات الموالية لها. والكل يقصف المدنيين ويدفعهم الى النزوح في الداخل واللجوء الى الخارج، وان كان الصوت الأعلى لخطاب الحرب على الارهاب.
وحين تكون الحرب معقدة الى هذه الدرجة، فان التسوية تصبح أشدّ تعقيدا. وليس القول ان السوريين هم الذين يقررون شكل النظام ومصير البلد سوى قمة الخداع السياسي المحلي والاقليمي والدولي. فلا أي اتفاق في جنيف على أساس القرار ٢٢٥٤ بين النظام والمعارضين، ولو حدث بمعجزة، سوى صفحة في كتاب كبير. والصفحات الباقية تسويات بين اللاعبين الكبار تضمن لكل منهم مصالحه ونفوذه في سوريا والمنطقة كما في قضايا أخرى في أماكن أبعد في أوروبا وشرق آسيا.
واللعبة مستمرة.