Site icon IMLebanon

سوريا … ما هي نهاية اللعبة؟

تحوّلت سوريا إلى مركز استقطاب النزاع العالمي بين القوى العظمى. كما أنّ المقاتلين يتوافدون إليها من كل حدب وصوب من شتى الجنسيات والإتجاهات بمسميات مُخْتَلِفةَ، فلم تَعُدْ هناك دولة على المستوى الإقليمى بعيدةً عما يدور في حلبة الصراع السوري. ما يبعث على مزيد من القلق ألا يكون هناك أفق لإيجاد حلول للمعضلة السورية.

حتى ولو وافق رأس النظام بإنشاء هيئة لإدارة المرحلة الإنتقالية إلى أن يتم إيجاد أرضية مناسبة لتغيير القيادة الحالية، فقد لا تنتهي حلقات الصراع في سوريا. وتحتدّ النزاعات بين أطراف إقليمية ودولية حول ملامح سوريا الجديدة، وذلك ينعكس على مواقف المجموعات المسلحة في الساحة السورية.

حرب بعناوين متعدّدة

بعد التدخّل العسكري الروسي المباشر في سوريا، سارع المراقبون لتوصيف الحالة السورية، وتداولوا مصطلحات لبناء رؤيتهم التحليلية لما يجري في سوريا، ومايفرضه التواجد الروسي من إعادة للحسابات والتموضع على مستوى التحالفات الإقليمية والدولية وتكريس سياسة المحاور.

تم توظيف تلك المفردات التي سادت إبان مرحلة الحرب الباردة، وسادت توقعات عن محاولة واشنطن إستدراج الكرملين إلى المستنقع السوري لاستنزافه، كما فُسّر التدخل الروسي بأنه التفاف على مشاكل روسيا الداخلية لاسيما على الصعيد الإقتصادي وانهيار سعر الروبل بعد خسارات روسيا المتلاحقة في سوق النفط. واتجهت بعض القراءات لكشف الدوافع الدينية وراء التدخل الروسي بوضع هذا القرار في سياق إهتمام موسكو بحماية الأقلية الأرثوذكسية.

قد نجد في التطورات الأخيرة ما يبرر صحة هذه التحليلات، لكن ربما ما تتوخاه روسيا من غاراتها على مواقع المعارضة هو مساعدة النظام لإستعادة مساحات قد خسرها خلال الأشهر السابقة. وقد اعترف الرئيس السوري بأن نقص العناصر البشرية يضطره للتركيز على مناطق إستراتيجية.

ويدرك الجانب الروسي بأن مشاركته في الحرب مكلفة، لذلك يحاول توفير الغطاء الجوّي للجيش السوري من أجل فتح القنوات السياسية مع الدول المهتمة بالملف السوري.»لأن الحرب إمتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى» كما يقول كلاوزفيتز» وكلما كسبت مزيداً في الحرب تتعزز مواقفك أكثر على طاولة المفاوضات.

الآن روسيا تدير دفة الدبلوماسية وطالبت بتوسيع الإجتماعات التي تجرى في فيينا حول الأزمة السورية، حيث تنضم دول أخرى في مقدمها إيران. وتأتي هذه الجهود على الصعيد الدبلوماسي عقب لقاء القمة بين (بوتين-الأسد). وهناك توقعات بأن الأخير قد وافق على مضمون مبادرة موسكو، ولعل أهم بنودها حسب ما رشح عنها حتى الآن هو عدم ترشّح الرئيس السوري للإنتخابات التي ستجرى بعد وقف إطلاق النار وتهيئة الأوضاع.

وبذلك تضمن روسيا موافقة تلك الدول التي تساند المعارضة السورية لتشجيعها على قبول المفاوضات مع مَن يمثل النظام. هنا يفرض السؤال نفسه: هل نضجت الظروف للتعويل على الحل السياسي؟ وهل توصلت جميع الأطراف المعنية بسوريا إلى أن الحرب لاتحسم الأمور؟

قد تكون موافقة الدول المجتمعة في فيينا بمواصلة حواراتها مؤشراً لإدراك ضرورة تنشيط الخيار الدبلوماسي .

الأمبراطورية المتردّدة

أخذت روسيا بزمام الأمور ومنهجها في التعاطي مع الشأن السوري قد تميّز منذ بداية الأحداث بوضوح الهدف والدفاع عن مصالحها الحيوية وحماية النظام السوري من السقوط، بخلاف الولايات المتحدة الأميركية التي تظهر بصورة الأمبراطورية المتردّدة على المسرح الدولي، ولا تزال تبحث عن شريك في المعادلة السورية.

الموقف الأميركي الحذر من التعامل مع المعارضة السورية وعدم الموافقة على تزويدهم بالسلاح إلا بشكل جزئي، سببه وجود ذاكرة غير مشجعة في تجارب أميركا مع أفغانستان والعراق. إذ تكشف هيلاري كلينتون تردّد الإدارة الأميركية في الإستجابة لمطالب ملحة لإمداد المعارضة السورية بالإسلحة.

في المقابل تحركت مجموعة من الدول الإقليمية على هذا الصعيد لتوفير مصادر التمويل للفصائل المسلحة. من هنا إختلطت الأوراق، وأصبحت سوريا ساحة للحرب المفتوحة بالوكالة بين الدول التي لن تتعارض مصالحها في المنطقة وتبحث لتوسيع مجال النفوذ في سوريا.

وما يحتاج إليه الملف السوري ليجد طريقه إلى الحل هو توافق القوى التي تختلف مواقفها حول الآلية التي يمكن إتباعها لإنهاء الصراع.

إن التطورات التي قد شهدتها الساحة السورية في الفترة الأخيرة قد تفرض على جميع الأطراف إختيار سبل جديدة لمقاربة هذا الملف المتشعّب. لأن استمرار الحرب يضع كل دول المنطقة أمام خطر تصاعد موجة العنف وخلخلة الإستقرار الداخلي.

ثمة شواهد على ما يهدّد بمزيد من التأزم وتمدّد الخلايا الإرهابية. هنا تستحضر في الذهن تفجيرات أنقرة والقطيف. كما تتراكم خسائر بشرية ومادية للدول والجماعات المتدخّلة في سوريا. وأي محاولة لحل المشكلة السورية هي بمثابة حراثة الموج إذا لم تقتنع الدول الممسكة بالملف السوري بضرورة التوصل إلى التسوية.

ما يلفت الإنتباه هو أن الطرف السوري أصبح خارج اللعبة، ولا وجود لما يُسمى بالمعارضة المعتدلة، ويفتقر الإئتلاف السوري إلى التماسك في هيكله التنظيمي، فيما انفردت المجموعات المسلحة بالمشهد وهي تتلقى الدعم من الدول المؤثرة. والنظام السوري بدوره يمر في مرحلة الإحتضار، وتتحكم روسيا وإيران بإدارة الملف السوري على كل المستويات العسكرية والتفاوضية.

تشير وزيرة الخارجية الأميركية السابقة بأنها قد تشاورت مع نظيرها الروسي عندما كانت الأزمة السورية في بداياتها، حول إمكان إستصدار قرار يُلزم النظام السوري بالتفاوض مع المعارضة، فأجابها سيرغي لافروف: لكن ما هي نهاية اللعبة؟ لعل هذا السؤال حتى الآن يشجع على طرحه من جديد، وبأسلوب جديد، وهو: هل تمسك روسيا بمفاتيح أساسية في الشأن السوري؟