Site icon IMLebanon

سوريا .. إلى أين؟

 

ماذا يجري في سوريا؟ سؤال تفرضه التطورات التي تسارعت في الفترة الأخيرة في هذه الرقعة المشتعلة منذ ثماني سنوات.

 

خلال أيام قليلة تبدّت على الجبهة السورية صورتان قد تبدوان متناقضتين في الشكل، إنما في العمق، قد لا تبدوان منفصلتين عن بعضهما البعض، والجامع بينهما أنهما تستنبطان كماً كبيراً من الأسئلة وعلامات الاستفهام.

 

في الصورة الاولى، واشنطن تعلن بشكل مفاجئ عن سحب القوات الأميركية من سوريا.

 

المثير في هذا القرار، ليس مبرّره الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من «اننا انتصرنا على داعش»، بل لأنّه لم يكن محل إجماع أميركي، بحيث:

 

– انّه جاء خلافاً لتوصيات مسؤولين كبار في البنتاغون، حاولوا أن يثنوا ترامب عن هذا القرار، كونه سيقوّض استراتيجية واشنطن الداعية إلى مواجهة ايران على الأراضي السورية لمنعها من التمدّد نحو المنطقة.

 

– انّه جاء خلافاً لتحذيرات من قِبَل بعض كبار السياسيين الاميركيين، حيث تصاعدت أصوات ومن بينها «جمهوريون» وصفوا القرار بالخاطىء، ويشكّل تنازلاً كاملاً من حيث النفوذ للمحور المعادي لواشنطن.

 

وعبّرت تلك الأصوات عن مخاوف جدّية من أن يفتح قرار ترامب بسحب القوات الأميركية، المجال بتنامي النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، وكذلك نفوذ «حزب الله» ليس في سوريا فقط، بل امتداداً إلى لبنان. ما يعني الإقرار، وإن بشكل غير معلن، بانتصار هذا المحور.

 

– انّه جاء متجاوزاً للمخاوف الأميركية، من انّه قرار سيُحدث فراغاً عسكرياً، وجاء وكأنّه يوعز بشكل غير مباشر للأتراك بأن يملأوا هذا الفراغ، إذ أنّه جاء في توقيت يثير اكثر من سؤال، لتزامنه مع التحضيرات التركية لهجوم عسكري شرق نهر الفرات ضد «حزب العمال الكردستاني»، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إنّه سيبدأ في الايام المقبلة.

 

ما يعني انّه سيترك حلفاء واشنطن الاكراد مكشوفين امام الاتراك. مع الاشارة الى انّ الجيش التركي ارسل في اليومين الماضيين تعزيزات وحشوداً عسكرية إلى الحدود مع سوريا.

 

السؤال المطروح، هل هو قرار أميركي أحادي الجانب، أم أنّه منسق مع الاتراك؟ او مع غير الاتراك؟ فموسكو كانت أول المرحّبين وإن بحذر، بالقرار الأميركي، واعتبرته خطوة تفتح آفاقاً للتسوية السياسية في سوريا.

 

أما ايران فقد سارع رئيسها حسن روحاني بعد القرار وحطّ في أنقرة. فيما كان اللافت للانتباه هو الارباك الذي اصاب حلفاء واشنطن، كبريطانيا التي اكدت استمرار محاربتها الارهاب في سوريا، وايضا اسرائيل التي بدت ممتعضة من القرار، واعتبرته تسليفا للانتصار لكل من ايران و«حزب الله» بالتأكيد، انّ الأيام المقبلة ستحمل معها ما يمكن أن يفك الغاز القرار الاميركي، وإن كانت تقديرات البعض تفترض انّه شرّع باب الاحتمالات في سوريا على مصراعيه، مع ترجيح أنّ الاحتمالات الباردة تبدو ضعيفة جداً امام الاحتمالات الساخنة.

 

أما الصورة الثانية، فجاءت صادمة لكثيرين.

 

فجأة، يتصدّر الرئيس السوداني المشهد، وصار محط اهتمام عالمي، كما كانت حاله قبل سنوات، حينما كان مطارداً بكابوس المحكمة الجنائية الدولية، وفي حقّه مذكرة اعتقال دولية أُلغيت او أُوقف العمل بها بعد استقالته من محور إلى محور. والاهتمام هذه المرة ليس بشخص عمر حسن البشير، بل لأنه حطّ في سوريا وتأبط ذراع بشار الأسد.

 

والسؤال: لماذا حضر البشير إلى دمشق، وبتكليف ممن، وما هي أهداف هذه الزيارة؟

 

قد يشعر الأسد بأنّ هذه الزيارة منحته نصراً ديبلوماسياً، وإقراراً ولو غير معلن بفشل عزل سوريا. فشخصية مثل عمر البشير لا يمكن ان تبادر من تلقاء نفسها إلى خطوة على هذا القدر من الخطورة السياسية، والمقصود هنا كسر العزلة العربية الرسمية لسوريا، وذلك لسببين، الأول طبيعة التحالفات العربية الحالية للرئيس السوداني، والثاني الطابع الاجتماعي لقرار تعليق العضوية السورية في جامعة الدول العربية.( مع الاشارة هنا إلى تحفّظ لبنان والجزائر والعراق على هذا القرار).

 

من هنا، يبدو اكيداً، أنّ هذه الزيارة لم تكن لتحصل من دون التنسيق مع أطراف فاعلة في الملف السوري، وترتبط بعلاقات وثيقة مع الخرطوم. فالبشير على علاقة طيبة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وصديق للسعودية وشريك معها في حرب اليمن وملتزم معها في قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، كما هو صديق حميم لتركيا، التي أعلن وزير خارجيتها مولود جاويش اوغلو، من الدوحة قبل ايام، عن استعداد تركيا للتعامل مع بشار الأسد لو فاز فى انتخابات ديمقراطية.

 

وكان، اي البشير، وسيطاً بين تركيا والسعودية خلال «أزمة قتل جمال خاشقجي»، وفي الوقت نفسه هو صديق للروس الذين اقلّوه بطائرة عسكرية روسية إلى سوريا، ولا ننسى أيضاً، أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صديق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

 

كل ذلك يؤكّد فرضية أنّ الزيارة تمّت من ضمن هذه السلسلة، وبالتأكيد بلا ممانعة اميركية. وتبعاً لذلك، هناك من يقول انّ ما بعد الزيارة بالتأكيد ليس كما قبلها، وتوقيتها قبل قمة بيروت الاقتصادية الشهر المقبل، وقبل بضعة أشهر من قمة تونس العادية، قد يكون تمهيداً لقرار ما قد يجري العمل له في قادم الأيام، يأتي بناء على اقتراح مشروع قرار جديد للجامعة العربية، قد تقدّمه إحدى الدول، مثل لبنان او العراق او الجزائر، ويرمي إلى إعلان عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية.

 

ويعزز ذلك، ما يتردّد عن ليونة سعودية تجاه سوريا والنظام، ورغبة الرياض في فتح علاقة جديدة مع دمشق، والتحضير لزيارة الرئيس العراقي برهم صالح إلى دمشق قريباً، وصولاً الى الموقف البالغ الذي عبّر عنه الأمين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط بقوله بأنّ «تسرّعاً قد حصل في إقصاء سوريا عن مقعدها».

 

هنا ينبغي السؤال: لنفرض أنّ سوريا أُعيدت إلى حضن الجامعة العربية، فماذا بعد؟ وماذا عن موقع سوريا ودورها في المنطقة؟

 

قد يعتبر المحور الداعم للنظام السوري بأنّه انتصر وانّه عاد إلى الإمساك بزمام المبادرة واستعادة دوره ونقاط نفوذه في المنطقة. لكن هناك من يقول إنّه رغم أهمية مثل هذا القرار بالنسبة إلى سوريا، إلا أنّه لا يعني أنّ الأزمة انتهت، لأن عواملها متداخلة اقليمياً ودولياً.

 

وحتى ولو كان القرار مدخلاً لإنهاء الأزمة، فإن هذه الأزمة التي خنقت سوريا على مدى سنوات هي أزمة كبرى لا تطوى بين ليلة وضحاها، واحتواء آثارها يتطلب وقتاً لا يُقاس بالأشهر بل بالسنوات، بالنظر إلى الآثار الكارثية والتدميرية، سواء على الاقتصاد السوري، كما على المجتمع السوري، وكذلك على دور سوريا وموقعها وحضورها على مستوى المنطقة.