Site icon IMLebanon

سوريا هل سيكون الحل في وضعها تحت الوصاية الدولية؟!

يبدو من الحراكات الدولية والاقليمية الجارية على خلفية اجتماع فيينا أن القضية السورية باتت موضوعة على رأس جدول الأعمال، او على السكة، من دون أن يعني ذلك أن هذا الحل بات ناجزاً، أو أن موعد وصول القطار الى محطة السلامة بات معروفاً او مقرراً. 

بيد أن ما يحصل يبيّن، أيضا، أن المسألة السورية لم تعد تقتصر على كونها قضية شعب في مواجهة نظام، او قضية تغيير سياسي، وأنها لم تعد تتعلق بالتصارع على النفوذ بين الدول الإقليمية المعنية، إذ انها أضحت، فوق هذا وذاك، بمثابة قضية دولية بكل معنى الكلمة، لاسيما بعد حصول العديد من التطورات، أهمها: أولاً، تفاقم قضية اللاجئين السوريين، التي أضحت مشكلة داخلية في أوروبا، وداخل كل دولة اوروبية. ثانياً، التدخل العسكري الروسي في سوريا لصالح النظام، في خطوة غير مسبوقة، مع ما تحمله هذه الخطوة من دلالات كبيرة تتعلق بطموحات روسيا بوتين، وتخص سعيها تغيير توازن القوى العالمي. ثالثاً، تفاقم المخاطر الناجمة عن صعود الجماعات الإرهابية المتطرفة، لاسيما تنظيم «داعش»، وهي مخاطر تلامس الأمن الإقليمي والدولي. 

على هذه الخلفية فإن مشهد الصراع في سوريا، وعليها، بات محكوما بالمسارات الآتية:

أولاً، أن التقرير بمستقبل سوريا لم يعد شأنا للسوريين وحدهم على اختلافاتهم أو توافقاتهم، وإنما بات رهنا بما يقرره الأطراف الدوليون والاقليميون، وبالتحديد بما تقرره الولايات المتحدة، التي تبدو بمثابة الطرف الاكثر فاعلية في التقرير بالشأن السوري، حتى وهي تتخفّف من حضورها في الشرق الاوسط، وحتى وهي تستنكف عن الحسم في هذا الشأن. 

ثانيا، ان النظام العربي لا يحضر على نحو كاف في الحراكات الجارية، ما يعكس ضعفه واستنكافه عن دوره، وتخليه عن السوريين. ولا شك ان هذا يعكس، أيضاً، اختلاف الدول العربية من حول سوريا، لاسيما بعد الارتداد المصري، كما يعكس تزايد دور الدول الاقليمية، غير العربية، في المجال الاقليمي العربي، لاسيما إيران وتركيا، دون أن ننسى إسرائيل طبعا. 

ثالثا، بينت مداولات «فيينا» ان ثمة انزياح في التعامل مع قضية السوريين، إذ ان الجهود لا تتركز على تشكيل هيئة انتقالية، ذات صلاحيات كاملة، بحسب منطوق مؤتمر جنيف1 (2012)، بحيث يتم نزع الصلاحيات من الرئيس، ولا على فرض وقف نهائي للأعمال القتالية، أو اقله وقف القصف الجوي، لاسيما بالبراميل المتفجرة، وإنما على مواجهة الإرهاب، والتخفيف من مشكلة اللاجئين، وحل المسائل الانسانية والحفاظ على وحدة سوريا ارضا ومؤسسات. ولعل هذا ناجم عن عدة اسباب، أولها، عدم حسم اي طرف للصراع لصالحه على الأرض طوال السنوات الماضية. وثانيها، اختلاف الأطراف المشاركين بخصوص تشخيص المشكلة، وبالتالي تشخيص الحل، فثمة من يرى ان الأمر يتطلب بداية تغيير النظام، وثمة من يرى ان المشكلة تتعلق بمحاربة الارهاب قبل اي شيء اخر. وثالثها، وجود الإدارة الأمريكية في لحظة تخلي، او لحظة لا مبالاة ازاء الوضع السوري، اما رغبة منها بالانسحاب من الرمال المتحركة للشرق الاوسط، او سعيا منها لإغراق الاطراف الاخرين فيه، او لشعورها ان كل الامور ستؤول اليها في المحصلة الأخيرة، من دون دفع اية تكلفة، او و بأثمان أقل.

فوق كل ذلك فإن كل ما حصل يؤشر، ربما، إلى مسار يفتح على تخليق نوع من نظام «وصاية دولية» على سوريا، بخاصة أن ثمة عوامل عديدة وقوية ترجّح هكذا احتمال، أولها، تصدع مجتمع السوريين، نتيجة صعود الهويات الطائفية والاثنية والمناطقية والعشائرية. وثانيها، تفاقم مشكلة اللاجئين في البلدان المجاورة، والبلدان الاوروبية، الأمر الذي يفترض تضافر الجهود لإعادة هؤلاء الى وطنهم، بعد استتباب الامن والاستقرار، او حل مشكلاتهم في اماكن تواجدهم. وثالثها، انهيار اجزاء كبيرة من كيان الدولة السورية، وهذا يشمل نظم التعليم والإدارة، والجيش، واجهزة الأمن. ورابعها، الانهيار الاقتصادي الحاصل، وتاليا، الكلفة المادية الكبيرة التي تتطلبها عملية إعادة بناء ما دمرته الصواريخ والبراميل المتفجرة التي القاها النظام، ونجم عنها خراب كبير في عمران مدن سوريا وممتلكات سكانها، وهي كلفة لابد ان يشارك المجتمع الدولي فيها. وخامسها، اخفاق جماعات المعارضة، السياسية والعسكرية، في توليد كيانية سياسية فاعلة ووازنة وقادرة على اثبات ذاتها، سواء ازاء شعبها، او ازاء المجتمع الدولي، إذ ان هذه المعارضة لم تثبت ذلك في «المناطق المحررة»، لا في نمط ادارتها ولا في نمط علاقتها مع مجتمعها، كما ان المعارضة السياسية لم تستطع ان تبني وجود لها في المناطق المحررة التي ظلت تخضع لإدارات عسكرية مختلفة. 

لهذا كله يبدو ان المجتمع الدولي يميل إلى وضع سوريا في إطار مرحلة انتقالية، تمتد لعدة سنوات، تحت رعاية دولية، كي تتمكن من ترميم ذاتها بشكل تدريجي، ما يمكنها من استعادة اللحمة للمجتمع، وبناء اجماعات وطنية جديدة، وإعادة بنا كيانية الدولة، ولعل هذا ما يفسر الفقرة المتضمنة في البيان الصادر عن اجتماع فيينا، والتي اكدت على «وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها العلماني، وحماية حقوق جميع السوريين بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني»؛ ما يفهم منه أن المجتمع الدولي لن يسمح بأي صيغة قد تطرح خلافا لذلك، وهذه ليست مسألة عادية او ثانوية.

المعضلة أن المؤشرات لا تفيد بوجود إرادة دولية حاسمة بإطفاء الانفجار السوري، او بوضع حد للاقتتال الدامي والمدمر، إذ كل طرف يراهن على استنزاف الأخر، وكل طرف يراهن على تعب الأخر، والمشكلة اننا ازاء أطراف متعددة، وحتى داخل كل معسكر، اي المعسكر الذي يقف مع النظام، او المعسكر الذي يقف مع المعارضة، ثمة ارادات مختلفة ومتباينة. لذا وبصراحة أكثر فإن الدول المعنية والمقررة تشتغل على مايبدو وفق استراتيجية تتأسس على إدارة الصراع، والتحكم به، أو استراتيجية تقطيع الوقت، وليس على اساس استراتيجية حل الصراع، إذ أن هذا الامر لم ينضج للحل، حتى الآن، بحسب رؤيتها لدورها ولمصالحها. 

على أية حال فهذا الكلام ليس للاحباط، وانما هو بمثابة صيحة تحذير كي يدرك المعنيون في المعارضة واقعهم الصعب والمقعد، وكي يدركوا ما يستوجب عليهم ان يقوموا به، لتغيير هذه الحالة، أو لتحسين شروطها على الأقل. وبديهي أن هذا يتطلب وعي شروط الواقع الدولي، والانفتاح على صيغة حاسمة لسورية تعددية وديمقراطية، وكدولة لمواطنين احرار ومتساوين، وتأسيس كيانية المعارضة على هذا الاساس، بدون مواربات او تلاعبات.