فضيحة برسم المسؤولين
تجاوز الفساد المستشري في مرافق لبنان العامة حدود الوطن ووصل إلى قارة أوروبا في فضيحة هي الأولى من نوعها تطال ما يبدو “مافيا مصغّرة” تنغل في أروقة أمن عام المطار وتتاجر بالبشر بالتعاون مع مكتب سفر ألماني – سوري لإدخال سوريين إلى لبنان بطرق غير شرعية.
التأشيرة عبارة عن رقم اتصال فقط، ليتم تهريب الشخص عند وصوله الى بيروت مقابل استغلاله مادياً بمبلغ 750 يورو “للجيبة” أي ما يقارب 840 دولاراً لا يصل منها إلى خزينة الدولة فلس واحد. مع استمرار عقبات التوافق بشأن محاربة الفساد بشكل جدي، وبعد المخاوف من إعادة سيناريو الفشل المتواصل للحكومات المتعاقبة، تفتح “مزاريب هدر” جديدة في مطار بيروت الدولي وما من حسيب ولا رقيب.
على عينك يا تاجر
مكتب “رحلات مجبور” في منطقة حديقة فالدهاوزن 9 شارع 45130 إسن في ألمانيا يعلن عبر صفحته الإلكترونية على تطبيق فايسبوك، أنه قد “تمت إعادة العمل على التأشيرة اللبنانية بعد توقفها لأكثر من شهرين” ويتابع “تأشيرة دخول للسوريين المقيمين في أوروبا إلى لبنان ولحاملي جواز السفر السوري أو وثيقة السفر الأوروبية، سواء من ألمانيا أو من أي دولة أوروبية” ويختم كاتباً “ملاحظة هامة: التأشيرة عبارة عن رقم اتصال فقط” واضعاً أرقام مكتبه بمتناول الجميع!
وفي اتصال مع” نداء الوطن” شدد مندوب مكتب سفريات مجبور على أن “التأشيرة مضمونة مئة بالمئة والحمدلله صار في إمكاننا جمع شمل الأهل ولكن كلفة المعاملة مرتفعة لقاء ما ندفعه” وعندما شرحنا له أن التأشيرة الرسمية هي عبارة عن لاصق واضح يوضع على جواز السفر شرح لنا أن “التأشيرة إلى لبنان هي إما ورقية لا حاجة لكفيل لبناني فيها إما تقتصر على رقم سري، وأن كل السوريين الذين يريدون الذهاب الى بيروت من المانيا عليهم دفع مبلغ الـ750 يورو، سواء كانوا يملكون جواز سفرهم أم باسبوراً أزرق للاجئين يسمى وثيقة سفر أوروبية”. وأشار الى أن القصة بدأت مع بدء تنظيم دخول السوريين إلى لبنان والإقامة فيه، إذ صار السوري الذي دخل بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، أو “تهريباً” وبالتالي اكتسب صفة اللاجئ، يحتاج إلى إذن دخول يُطلب من مديرية الأمن العام اللبناني من لبنان مباشرة وأن باستطاعة مكتبه ترتيب دخوله الى لبنان عبر “رقم اتصال يمكنكم السؤال عنه في الأمن العام، يقال أنه وثيقة اتصال أو النشرة وحتى أن شركات الطيران في المانيا على علم بالموضوع ولا تقبل بالمسافرين على متن طائراتها الا بعد التواصل مع الأمن العام اللبناني والتأكد أن الأشخاص مسموح لأرقامهم بالدخول” شيء يشبه الـ”باسوورد” أو الرقم السري الذي يفتح الباب للسوريين لزيارة أهلهم.
وعما إذا كان المبلغ المدفوع يعاد الى صاحبه في حال فشل المهمة، ضحك وقال “هي ليست المرة الأولى التي نتعامل فيها مع الأمن العام اللبناني، ونحن نرسل مجموعة من الطلبات معاً وبعد فترة وجيزة يرسلون لنا أرقاماً لها، وبالتالي نطمئن الى كل دفعة وبعدها نرسل الأخرى لا داعي للخوف” وختم “يمكنكم الاطلاع على صفحتنا في فايسبوك، هناك العديد من الأشخاص الذين تمت رحلاتهم بنجاح وراقبوا التعليقات الإيجابية.
برلين غير!
قررنا التوسع في استقصائنا حول الموضوع، فوجدنا أن هناك مكتبا آخر يحمل اسم “داماسكينو” أي “دمشقيون”، يعد اللاجئين السوريين وحملة الباسبور الأزرق، أي من دخل منهم إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، بأنه يمكنه تأمين تأشيرة دخول سياحية لهم إلى لبنان. وبما أن القانون اللبناني يمنع دخولهم، تواصلنا مع المكتب فعرفنا تفاصيل إضافية للفضيحة!
أولاً، كان سعرهم أقل بمئة يورو من مكتب “مجبور”، وعلمنا أن لديهم تشكيلة تأشيرات للبنان، إحداها رقم اتصال وثانيتها تأشيرة ورقية غير نظامية وليست لاصقاً ولا تحتاج لا إلى كفيل ولا لأي شيء سوى مبلغ المال، أما النوع الثالث فهو تأشيرة عبور الى سوريا بشرط ألا تطول الإقامة في لبنان أكثر من 48 ساعة. ثانياً، إن تأشيرة الرقم هي تأشيرة مألوفة لدى شركات الطيران الموجودة في مطار برلين، لذا إن اختار اللاجئ السوري شراء تأشيرة الرقم فعليه أن يسافر حصراً من العاصمة الألمانية فتباع له بسعر مخفّض وهو 650 يورو ولكن إن كان اللاجئ السوري مقيماً في بلد أوروبي آخر فسيضطر إلى شراء فيزا ورقية بمبلغ أغلى وهو 750 يورو، تُطبع منزلياً لإبرازها قبل الصعود إلى الطائرة مع الإشارة الى أنها مشوبة بعيوب ولا معلومات عن الكفيل اللبناني عليها ولكنها موقعة من الجهة الرسمية اللبنانية. ثالثاً، هناك أكثر من أربعين عائلة تسافر كل شهر بنجاح عبر مكتبهم وأن تلك “التسعيرات” معمول بها منذ سنة ونصف السنة. رابعاً، تحتاج فيزا “رقم الإتصال” الى عشرين يوماً على ألا تتجاوز مدة الإقامة في لبنان مدة الثلاثين يوماً. خامساً، سعر تأشيرة الأطفال تماماً كسعر تأشيرة البالغين، كما أكدت لنا “دامسكينو” أنهم ليسوا المكتب الوحيد ولكنهم الأفضل كما أرسلت لنا صوراً للاجئين استطاعوا زيارة أهلهم في لبنان عبر هذه الطريقة اللاشرعية!
أكملنا البحث، فوجدنا مكتباً ثالثاً في ألمانيا يقدم نفس الخدمات اسمه “الرائد للسياحة والسفر في ألمانيا”، وبعد التواصل معه أرسل لنا التفاصيل نفسها مشيراً إلى ” أن فيزا الرقم” أو “فيزا الكود” تعطى لهم من بيروت عبر الهاتف مؤكداً أن كثيرين يسافرون بهذه الطريقة. كما أرسل لنا صورة لإحدى التأشيرات الورقية غير الشرعية والتي لا تحمل معلومات كفيل عليها وهي بحسب قوله تعطى لمكتبه بشكل أسبوعي من الأمن العام اللبناني، وموقعة ومختومة من رئيس مكتب شؤون المكننة العميد صلاح حلاوي.
للفضيحة شق آخر
يقول احد السوريين المقيمين في ألمانيا لـ”نداء الوطن”: “لا يتوقف الموضوع عند السوريين اللاجئين إلى المانيا بل للفضيحة شق آخر. فإن كل الجالية السورية في ألمانيا بدون استثناء تعاني في رحلاتها إلى لبنان. فبعد قانون تنظيم اقامات السوريين الأخير، أعيد العديد من السوريين إلى المانيا فور وصولهم إلى مطار رفيق الحريري الدولي بحجة الحفاظ على الأمن القومي. كما رفضت السفارة اللبنانية في ألمانيا إعطاء السوريين، مقيمين كانوا أم لاجئين، أي ضمانات تكفل عدم إعادتهم إلى المانيا، وامتنعت عن إصدار تأشيرات سياحية لأي شخص سوري الجنسية. فقانوناً، لا يحتاج السوري المقيم في ألمانيا والذي يحمل جواز سفر بلده، إلى فيزا لدخول الأراضي اللبنانية بل تنطبق عليه الشروط العامة، وهي مبلغ ألف دولار نقداً وعنوان سكن في لبنان أو حجز فندقي وتذكرة سفر ذهاباً وإياباً، ولكن في الواقع بمجرد وصول أي سوري إلى مطار بيروت تتم إعادته إلى المانيا على حساب شركة الطيران حتى صارت شركات الطيران ترفض السوريين بشكل عام ما لم يوافق الأمن العام مسبقاً على دخولهم درءاً للخسارة المادية التي تتكبدها، ما أدى الى سيطرة الرشاوى على الموضوع. فصار هناك مافيا في مطار بيروت تتعامل مع مافيا في ألمانيا متواجدة تحديداً في شارع العرب في برلين ومعروفة بانتمائها الحزبي تؤمن أرقاماً، أو ما أطلقوا عليه اسم الفيزا الرقمية، لدخول السوري إلى لبنان. بعدها، تمت عمليات نصب كثيرة فارتأت المجموعة في مطار بيروت التعامل مع 5 مكاتب سفر في ألمانيا مشهود لها بالنزاهة تلعب دور العميل لعمليات التهريب والسمسرة على منح أذونات خاصة بالدخول”.
تأكيداً على كلامه، بعملية بحث بسيطة على تطبيق فايسبوك وجدنا ثلاثة مكاتب سفر تنظم اعطاء التأشيرات اللاشرعية الى لبنان مقابل رشى كما أرسل لنا مندوب “رحلات مجبور” فيديو لشخص سوري يحمل باسبوراً سورياً كان قد رُفض دخوله الى لبنان بسبب منع كل السوريين من المجيء من ألمانيا لكنه تمكن عبر ما أسماه “الفيزا الرقمية” أي تأشيرة رقم الإتصال من الدخول الى لبنان لمدة 15 يوماً من دون أي مشكلة. كما أرسل تأشيرتين ورقيتين أعطيت لأشخاص من دون ذكر معلومات الكفيل عليها وشرح لنا أنها لمن يحمل الجواز السفر السوري!
وللأمر تتمة، فقد علمت نداء الوطن حول تواصل مكتب سفريات سوري – ألماني في شهر أيلول الماضي مع السفارة اللبنانية و”أخبر من في السفارة بما يحدث طالباً منهم أن يدفع بشكل نظامي عبرهم كي لا يدخل بأي عمليات رشوة لاشرعية وتعهد أنه كمكتب يريد أن ينظم رحلات سياحية إلى بيروت وأنه سيحتفظ بكامل جوازات السفر معه، ويعيد كل السوريين القادمين معه لزيارة الأهل والترفيه إلى ألمانيا وأنه مع كل رحلة الى بيروت سيكون هناك مواطنون ألمان ودليل سياحي، فرفضت السفارة وكان جوابها له أن الوضع في لبنان لا يحتمل هكذا إجراءات” وتأسّف المصدر كيف أن نجاح الطرق الملتوية وفشل المكاتب النزيهة في تأمين الرحلات السياحية هي التي دفعت بالسوريين لاعتماد هذه الطرق.
حول الموضوع تؤكد المحامية ديالا شحادة لـ”نداء الوطن” أن الأمن العام وحده مخول بإعطاء اذونات الدخول لمن لا يستوفي من السوريين الشروط المطلوبة ولكن كلفتها لا تتعدى مئة الف ليرة لبنانية أو مئة دولار وإن اجراءات كهذه تسهّل أمور آلاف السوريين المفترقين عن أهلهم ولكن يجب أن تكون مقوننة وليس بهذه الطريقة غير الشرعية، وعلى النيابة العامة التحرك فوراً للتحقيق بما يحدث إذ في حال ثبت الأمر هناك مخالفة واضحة للتدابير والأنظمة المرعية الإجراء وقد يكون هناك تقاضي رشوة واستغلال للسلطة وإرغام اشخاص على الإشتراك بأعمال يجرمها القانون اللبناني. أما الأمن العام ففضل التريث والإطلاع على كل تفاصيل القضية ومعطياتها قبل الإدلاء بأي تصريح رسمي حول المسألة.