ليس قليلاً ما صار من المسلمات في لبنان من دون نقاش جدي تقريباً. ومعظمها يدور على سيناريوهات استراتيجية وتطورات جيوسياسية لا يزال الكبار في المنطقة والعالم غير واثقين من مسار التحولات ولا مطمئنين الى ضمان ما يراهنون عليه وما يعاكسون به رهانات الآخرين. لكن أقل ما يسلم به كثيرون هنا هو أننا على الطريق الى سايكس – بيكو جديد يعيد رسم خرائط الدول. وأبسط ما يراه كثيرون أيضاً هو أن المرشح للتغيير ليس حدود الدول بل توزيع الأدوار داخلها، وتحديد موقع كل بلد في مناطق النفوذ الخارجية بموجب صفقة جديدة.
والعنوان المباشر للمسلمات في لبنان هو ربط مصيره بمصير سوريا، بصرف النظر عن الخلاف أو الاتفاق مع منطق حزب الله الذي يقول إن من أهداف انخراطه في حرب سوريا خوض معركة لبنان وحمايته من الارهاب التكفيري. وطبعاً بصرف النظر عن سيولة الأحداث في سوريا وجمودها في لبنان. إذ بين المشهدين المختلفين قاسم مشترك. وكما في الانتخابات السورية كذلك في اللاانتخابات اللبنانية: شيء من مسرح العبث في واقع تراجيدي.
ذلك أن دمشق تذهب الى انتخابات نيابية وسط الحرب في تحدٍّ للجدول الزمني الذي يحدد موعداً للانتخابات بعد ١٨ شهراً حسب التسوية التي يعمل لها الروس والأميركيون في جنيف – ٣. وهي تفاخر بأن عدد المرشحين وصل الى ١١٣٤١ شخصاً في حجم مشاركة غير مسبوقة. لكنها لا تتوقف أمام الحجم الأكبر غير المسبوق لغياب الناخبين. إذ كيف يصوّت المؤهلون للانتخاب من بين أربعة ملايين سوري نزحوا الى لبنان والأردن وتركيا، وستة ملايين نزحوا في الداخل؟ كيف ولمن يصوّت اللاجئون الى أوروبا مغامرين بحياتهم في بحور هائجة؟ ومن يمثل سكان الرقة ودير الزور وبقية البلدان والقرى التي يسيطر عليها داعش، وسكان ادلب والأماكن التي تسيطر عليها جبهة النصرة وتنظيمات سلفية أخرى، ثم سكان روج آفا التي أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الفيديرالية فيها؟
وعلى العكس، فاننا نخترع في لبنان المبررات للامتناع عن الذهاب الى الانتخابات. فلا انتخابات نيابية منذ انتهت الوكالة الشعبية للمجلس النيابي الذي مدّد لنفسه. ولا انتخاب رئيس للجمهورية منذ نحو عامين. لا اتفاق على قانون انتخاب لاعادة تكوين السلطة، بحجة انه لا يجوز انتاج قانون انتخاب في غياب رئيس الجمهورية، ومع الهرب المستمر من انتخاب رئيس. ولا اتفاق على ما يسمّى تشريع الضرورة قبل إعطاء الأولوية لقانون الانتخاب.
والحصيلة هي لا دولة ولا حتى سلطة، وسط فضائح بلا محاسبة وفساد بلا فاسدين وأكبر قدر من الوقاحة في ممارسة النفوذ.