Site icon IMLebanon

السفير السوري: نرحّب بباسيل.. لكن ليت لغته أدقّ

 

تفاعلَ خطاب وزير الخارجية جبران باسيل في الحدت على أكثر من مستوى، خصوصاً أنه تضمّن إعلاناً صريحاً عن نيّته زيارة سوريا بعد وقت قصير من مطالبته بعودتها الى المقعد الذي «هُجّرت» منه في الجامعة العربية. وإذا كانت المواقف الداخلية حيال طرح باسيل عكسَت تلقائياً الخلاف اللبناني التقليدي حول مستقبل العلاقة مع دمشق، فماذا عن رد الفعل السوري الأوّلي على ما صدر عن رئيس «التيار الوطني الحر»؟

 

يقول السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي لـ«الجمهورية» انّ مصلحة لبنان تكمن أساساً في التنسيق والتكامل مع سوريا، ولولا هذا التنسيق والتكامل ما كانت الجرود لتتحرر من الارهاب، ومن دونهما لا يمكن للبنان أن يتعافى أو ينتعش اقتصادياً. نحن نُعرب عن تقديرنا لأيّ موقف لبناني رافِض للاملاءات والضغوط الخارجية، والتي يبدو أنها لا تزال تمنع عدداً من الدول العربية من استئناف علاقاتها الطبيعية مع سوريا.

 

ويلفت الى أنّ دمشق انتصرت على الارهاب بالتعاون مع حلفائها، «ونحن مرتاحون الى وضعنا، ونسعد بالزائرين، مع العلم انّ من يزور سوريا يقوى بها أكثر ممّا يضيف الى قوتها»، مُشدداً على أنه «لا مِنّة لشقيق على شقيقه إذا زاره وعزّز الروابط والمصالح المشتركة معه، لأنّ هناك أخوّة بين لبنان وسوريا وكلاهما يحتاج الى الآخر».

 

ويُعرب عن انفتاح سوريا على مناقشة متطلبات لبنان بعد إعادة فتح معبر البوكمال، داعياً الى تشكيل لجان مشتركة تتولى درس خيارات التعاون والتنسيق لخدمة المصالح الحيوية للدولتين في مجالات عدة.

 

ويضيف: انّ سوريا، وعلى الرغم من أزمتها، لا تزال تغطي حاجة السوق الداخلية من الدواء المصنوع محلياً بأرخص الاسعار وأفضل نوعية، وبإمكان لبنان الاستفادة من ذلك. وكذلك تغطي الكهرباء كل الاراضي السورية، ونحن قادرون على مدّ لبنان بـ500 ميغاوات فوراً، وإذا تحسنت خطوط النقل ترتفع النسبة الى 1000 ميغاوات وبأسعار أقل من تلك التي تدفعها الدولة اللبنانية، وهذا ما يعرفه جيداً الأشقاء في بيروت، وغير ذلك من المجالات التي يمكن ان تشكّل مساحة للتكامل، إنما لا أعرف أيّ نوع من الحسابات يعطّل هذه الفرَص.

 

ويُبدي علي بعض الملاحظات على اللغة المستخدمة أحياناً في معرض مقاربة ملف العلاقة مع دمشق، «كأن يقول الوزير باسيل انه يريد ان يزور سوريا ليعود النازحون اليها، كما عاد جيشها»، مشيراً الى أنه كان يتمنى لو انّ لغة الخطاب كانت محسوبة أكثر، «على قاعدة مراعاة مشاعر السوريين والروابط المميزة التي تجمع الشعبين، ونحن نرى انّ ايّ خروج عن اللغة المدروسة قد تسبّب فجوات وجروحاً، ليست في محلها».

 

كذلك، لا يُخفي علي انزعاجه من كلام رئيس «التيار الحر» حول «الوصاية السورية»، قائلاً: «نحن نرفض مثل هذا التوصيف، لأننا دخلنا لبنان لنَجدته بطَلب من الشرعية. نعم، حصلت لاحقاً أخطاء من مسؤولين عندنا ومن مسؤولين لبنانيين ايضاً، والرئيس بشار الاسد توقّف في مناسبات عدة عند الأخطاء السورية، لكنّ علاجها لا يكون بالطريقة التي يعتمدها بعض اللبنانيين، ودمشق قامت بالمراجعة ومستعدة للقيام بها، كلما اقتضى الأمر، علماً انّ السلبيات المَشكو منها هي بالتأكيد أقلّ من الايجابيات، إذ إنّ سوريا قدّمت الى لبنان أكثر ممّا أخذت، بعدما ساهمت في توحيد صفوف الجيش والنهوض بمؤسسات الدولة وتحرير لبنان وإعادة توحيده، وشَكّلت الظهير الاستراتيجي للمقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. هذه تضحيات ومساهمات لا ينبغي تجاهلها في معرض مراجعة تجربة العلاقة بين الدولتين.

 

ويؤكد انّ سوريا تقدّر عالياً موقف الرئيس ميشال عون، الذي راهَن على انتصار سوريا منذ اليوم الاول للأزمة، «وأنا أعرف شخصيّاً هذه الحقيقة التي عايَشتها عن قرب، أمّا الوزير جبران باسيل فهو موضع ترحيب في دمشق وأهلاً وسهلاً به، وإن يكن يحقّ لي أن أتساءل: لماذا لم تتم الزيارة من قبل، علماً انه يجب ان يكون معروفاً انّ المردود من زيارة وزير الخارجية او اي مسؤول لبناني آخر إنما يخدم لبنان وسوريا، وربما لبنان قبل سوريا».

 

وانطلاقاً من «عتب المُحبّ او الصديق»، يأخذ السفير السوري على بعض قيادات «التيار الحر» اعتمادها خطاباً يحتاج الى مراجعة في ملف النازحين السوريين «الذين يتعرّض بعضهم لمضايقات في مناطق تقع ضمن نطاق بلديات تابعة للتيار، وهذه المضايقات قد تكون فردية ومن دون توجيه حزبي من القيادة، ونحن ندعو الى معالجتها على أساس الاحترام المتبادل وروابط الاخوّة، لأنّ التجريح الذي يتعرّض له النازحون ينعكس شَرخاً بين الشعبَين، وهذا ما لا نريده، خصوصاً اننا نُبدي تقديرنا للخيارات الاستراتيجية التي يتبعها «التيار الحر».

 

ويلفت علي الى انّ «القيادة السورية كانت، ولا تزال، حريصة على تقديم أقصى التسهيلات الممكنة لإعادة النازحين الى وطنهم، موضحاً انه تندرج ضمن هذا الاطار مراسيم العفو الرئاسي والاجراءات المَرِنة المتخذة من قبل وزارة الداخلية، والتي وصلت الى حَد مَنح أصحاب القضايا العالقة حق أن يغادروا سوريا مجدداً ويعودوا من حيث أتوا، إذا تبيّن لهم بعد رجوعهم الى ربوع الوطن انّ المعالجات او التسويات المقترحة لملفاتهم لا تناسبهم».

 

ويتابع: سوريا تريد أبناءها وهم أيضاً يريدونها، لأنه ثبتَ أنّ ما يلقونه في بلادهم من خدمات مجانية ومعاملة لائقة لا يجدونه في اي مكان آخر، ثم اننا مُقبلون على ورشة إعمار ضخمة ستحتاج الى جهود كثير من العمال وأصحاب الكفاءات السوريين، ما يُضاعف أهمية عودة النازحين، وإذا كانت المنظّمات الدولية حريصة حقاً على حقوق هؤلاء وكرامتهم فإنّ المبالغ المالية التي تمنحهم إيّاها في مخيمات لبنان يجب ان تدفعها لهم في الداخل السوري حيث قيمتها الشرائية أقوى بكثير، إلّا انّ الواضح حتى الآن هو انّ بعض تلك المنظمات تعتمد التحريض والتخويف في مقاربتها هذا الملف.

 

ولدى سؤاله: ماذا عن إشارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى دور للبنان في ورشة إعادة إعمار سوريا، وكيف يمكن أن يُترجم هذا الدور عملياً؟ يجيب علي: إسألوه… سوريا من جهتها تجد في لبنان دولة شقيقة، وهي مستعدة لإجراء قراءة مسؤولة في أيّ مراجعة تصويبية يُبادِر اليها من أخطأ في حقنا، ونحن تتمنى من الجميع أن يحسبوا كلامهم قبل إطلاقه».

 

ويشير علي الى أنّ سوريا محصّنة ضد كل أنواع الابتزاز والترهيب والترغيب والضغط، «وسياساتها كناية عن خَلطة دقيقة من القيَم الثابتة والمصالح المشروعة، وهذه خلطة لن نحيد عنها».