IMLebanon

السفير السوري و»التكامل بين البلديْن»!

ينشط السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في تقديم زيارات يُصنّفها بـ «زيارات معايدة» يطلق أثرها تصريحاتٍ تتحدّث عن أمرٍ واحد هو «التكامل بين البلديْن» ـ لبنان وسوريا، وآخر هذه الدعوات «التكامليّة» أطلقها بالأمس من عين التينة بعد زيارة للرئيس نبيه بري وكرّر فيها علي دعوته «الفذّة» فقال: «لا يستطيع لبنان أن يشكل حاضنة اقتصادية وملاذاً للأمن والاستقرار من دون التكامل والعلاقة الجيدة مع سوريا»!! وواصل علي معزوفته «التكامليّة» بل ونسبها أيضاً إلى رئيس المجلس اللنيابي فقال: «أكد لنا بري أيضاً على أن التكامل بين لبنان وسوريا هو أساسي للانتصار على الإرهاب»، ويستدعي كلام الرئيس بري أسف اللبنانيين الذيْن لم يلتقطوا بعد أنفاسهم من احتلالٍ سوريّ دمّر وطنهم على مدار ثلاثين عاماً وانتهى باغتيال كبار رجالاتهم على يد نظام بشار الأسد وإرهابه للشعب اللبناني، ولشعبه منذ ما يكاد يقارب السنوات الأربع أمعن فيها إرهاباً وتقتيلاً وذبحاً، وادّعى طوالها أنه يحارب إرهاب أطلقه وصنعه بيده، على جريْ عادة هذا النظام في ممارسة الإرهاب !!

مطلع العام الجديد سارع السفير السوري إلى إطلاق تصريحات إثر زيارته للرئيس السابق سليم الحص، لم تختلف كثيراً عن تلك التي أطلقها بالأمس، ففي الثالث من الشهر الجاري سبق وتحدّث علي عبد الكريم علي فعلّق على إجراء طلب تأشيرة دخول إلى لبنان من السوريين لتنظيم هذا الدّخول إذ لم يعد لبنان قادراً على تحمّل أعباء اللجوء السوري الذي يكاد يعادل بتعداده نصف الشعب اللبناني، وهو أمر ـ وبصدق وشفافيّة ـ نقول إن كثيراً من اللبنانييّن يجدون فيه احتلالاً من نوع آخر، فقال في تصريحه: «موضوع دخول السوريين وخروجهم يحتاج تنسيقاً وتكاملاً بين الجهات المعنية في البلدين»!!

ليست هذه المرّات الأولى التي يتحدّث فيها السفير السوري عن «التكامل بين البلديْن»، ففي التاسع من نيسان العام 2013 أعلن عبد الكريم: «لا يستطيع لبنان أن يشكل حاضنة اقتصادية وملاذاً للأمن والاستقرار من دون التكامل والعلاقة الجيدة مع سوريا»، ومع هذا لم يخرج أحدٌ للردّ على هذه الدعوات «الشائنة» بحقّ لبنان وشعبه ودولته، والتي تؤكّد أن النظام السوري ما زال مصرّاً على احتلال لبنان ولو تحت عناوين مختلفة وأحدثها «التكامل بين البلدين»، والصمت إزاء هذه الدعوات يحتاج إلى ردٍّ عاجل يُلزم السفير السوري حدّه، فماذا لو خرج سفراء دولٍ أخرى أوروبيّة أو عربيّة أو أميركيّة ودعوا إلى التكامل بين لبنان وفرنسا وبريطانيا أو أميركا أو السعوديّة، وصمت الحكومة اللبنانية لا يتناسب مع هذه الدعوة، بل نجد أنه من الضروري أن يصدر عنها ردّ يضع السفير السوري في حجمه الحقيقي، فقد ولّى زمن الإكراه السوري وعبثه بمصير لبنان وشعبه، وهذه دعوة خطيرة جداً في ظلّ وجود ما يقارب المليوني لاجئ على الأراضي اللبنانيّة!! ولـ «التكامل» أو الـ Integration ومعناه «الاندماج» كمصطلح سياسيّ تعريفات كثيرة، وضعها رواد منظّري التكامل، لمن لا يُدرك خطورة دعوة السفير السوري، ومنها تعريف إيرنست هاس: «التكامل هو العملية التي تتضمن تحول الولاءات والنشاطات لقوى   سياسية في دول متعددة ومختلفة نحو مركز جديد تكون لمؤسساته صلاحيات تتجاوز صلاحيات الدول القائمة»[عبد الله مصباح زايد، السياسة الدولية، بيروت، دار الرواد، 2002.ص142.].

أما ليون ن. لندبرغ فيعرّف التكامل بأنّه: «العملية التي تجد الدولة فيها نفسها راغبة أو عاجزة في إدارة شؤونها الداخلية أو الخارجية باستقلالها في بعضها البعض، وتسعى بدلا من ذلك لاتخاذ قرارات مشتركة أو تفوض أمرها لمؤسسة أو منظمة جديدة، أو هي العملية التي تقتنع من خلالها مجموع المجتمعات السياسية بتحويل نشاطاتها إلى مركز جديد» [ثابت عبد الحافظ علي فتحي، النظرية السياسية، الإسكندرية، الدار الجامعية الجديدة، 1997. ص217.].

أما العالم السياسي كارل دويتش»ـ وهو أول الدراسين المندرجين في إطار نظرية التكامل ـ هو الواقع أو الحالة التي تمتلك فيها جماعة معينة تعيش في منطقة معينة شعورا كافيا بالجماعية وتماثلا في مؤسساتها الاجتماعية وسلوكها الاجتماعي إلى درجة تتمكن فيها هذه الجماعات من التطور بشكل سلمي، أي حالة يحل فيها أفراد مجتمع واحد خلافاتهم سلميا بدون اللجوء إلى العنف». [نصر مهنا محمد، النظرية السياسية والعالم الثالث، ط3، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 1998. ص26.].

وخلاصة هذه التعريفات هي أنّ التكامل هو عملية وحالة نهائية، ويكون هدف الحالة النهائية عندما تندمج الأطراف الفاعلة هي تكوين جماعة سياسية، وثمة شرط هامّ ينبغي إدراجه على الفور، إذ يجب أن تكون عملية الاندماج [التكامل] طوعية وبتوافق الآراء، أما الاندماج الذي يجري بالقوة والقسر فهو امبريالية، وهذا هو الوجه الحقيقي لدعوات السفير السوري للتكامل بين البلديْن، حتى عندما بلغ النظام الإرهابي في سوريا مرحلة لفظ أنفاسٍ طويلة، ما زالت رغبته قائمة ومستمرّة ومصرّة على احتلال لبنان، تحت أي عنوان كان!!