تتوزع اهتمامات اللبنانيين هذه الايام بين الداخل ، حيث تستمر تداعيات الانتصار الذي حققته عملية «فجر الجرود» مع تحول العمل العسكري الى امني في حملة تطهير وتنظيف للبؤر الموجودة داخل عرسال، وخارجي محوره زيارة رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري الى موسكو وما يحكى عن اهداف سياسية – اقتصادية لها مرتبطة بمرحلة ما بعد التسوية في سوريا وسعي لبنان في اطار التوازنات الجديدة التي بدأت ترسيها نتائج الحرب السورية الى الحصول على غطاء روسي يقيه من ان يكون ورقة على طاولة المفاوضات وثمنا يدفع في الصفقات، من خلال تحييد لبنان عن الملف السوري وضرورة الحفاظ على استقراره.
وفي انتظار المفاعيل الميدانية للزيارة الروسية، سربت مصادر استخباراتية اسرائىلية على موقع ديبكا الاسرائىلي عن ان طائرتي «اف 15» اسرائيليتين تعرضتا لهجوم بواسطة صواريخ «اس. 200» اثناء تحليقهما فوق شاطىء صيدا، اطلقا من احدى قواعد الدفاع الجوي داخل الاراضي السورية في الجنوب، اثناء مشاركتهما في المناورة الاسرائيلية في اطار سيناريو احتلال المنطقة الممتدة حتى الاولي، في خطوة ستغيّر قواعد اللعبة، إذ ستكون المرّة الأولى التي تُطلق فيها سوريا صواريخ من إحدى قواعدها ضد طائرة إسرائيلية في سماء لبنان.
خطوة تزامنت مع تقارير ميدانية للعدو الاسرائىلي تحدثت عن تعزيز ايران وحلفائها لوجودهما جنوب سوريا، حيث تمّ رصد إنتشار لمستشارين وعناصر من القوات الإيرانية في تلك الرقعة، خصوصًا في مناطق خفض التصعيد، في رسالة رد واضحة على الغارة التي استهدفت مصياف، تزامنا مع تحريك وحدات من الفرقة الخامسة في الجيش السوري الى الحدود الأردنية، وعلى مقربة من الحدود مع اسرائيل، في رد واضح على المناورة التي تظهر القدرات في اجتياح لبنان بعمق 40 كلم، فيما محور الممانعة يؤكّد وجوده على الحدود الشمالية، في رسالة تهديد مضادة تخرق الضمانات التي قدمتها روسيا.
فالقراءة للتحاليل الاسرائيلية على مواقعها الالكترونية تبين عن ان الدولة العبرية وسعت من خارطة مصالحها الاستراتيجية في سوريا نتيجة لما آلت اليه تطورات الحرب السورية، بعدما بات واضحا قرب حسم الصراع لصالح النظام، ما يفرض على تل ابيب اتخاذ كل الخطوات اللازمة لضمان عدم السماح لطهران بتوسيع نفوذها مستقبلا بشكل يمثل خطرا على الامن القومي الاسرائيلي، ما جعل على رأس اولويات الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة في سوريا، استهداف المنشآت التي تستخدم من قبل إيران في تصنيع الوسائل القتالية والصواريخ المتطورة والعالية الدقة، والتي يستفيد منها حزب الله،اذ ان «خطورة تدشين المنشآت الصناعية العسكرية لإيران تكمن في أنها تقلص من قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ عملياته داخل سوريا»، على ما يؤكد المعلق العسكري في موقع «يسرائيل بالس»، بن كاسبيت.فالمنشأة العسكرية التي قصفت مؤخرا في «مصياف» بالقرب من حماة متخصصة في انتاج صواريخ ذات دقة كبيرة ما يعني أنه سيكون بالإمكان استخدامها ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تنفذ الغارات في أجواء سوريا.
من هنا فان إسرائيل باتت ترى وبحسب تقاريرها أن «التحييد السلبي» للمنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا على رأس أولوياتها، مشددة على أنها لن تكتفي فقط باستهداف قوافل السلاح التي تتجه من سوريا إلى مخازن حزب الله في لبنان، لان إنتاج السلاح النوعي داخل سوريا يعني تمكين حزب الله من استهداف منشآت ومرافق حساسة داخل إسرائيل، ما من شانه ان يغير قواعد اللعبة بالكامل.
مصدر لبناني مطلع نفى تأكيد او نفي الحادثة ، غامزا من قناة ما حصل فوق صيدا من تحليق على علو منخفض للطيران الاسرائيلي الذي نفذ غارات وهمية فوق المدينة في رد على «شيء ما» لا يعرفه الا المعنيون، كاشفة انه يخطئ من يعتقد ان الغارة على مركز الابحاث العلمية في مصياف وقبلها المناورات قد تمر دون رد مدروس في الزمان والمكان، خصوصا بعدما اصبح النظام في سوريا في موقع والقادر على التحكم بزمام المبادرة في اطار الحلف القائم بين موسكو وطهران، مشيرة الى ان حزب الله اتخذ كل الاجراءات الاحترازية اللازمة على طول الخط الازرق، وان كانت لم تلحظ اي تحركات غير عادية ضمن منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية المعززة، كاشفا أن إسرائيل نقلت رسائل غير مباشرة للحكومة اللبنانية بأنها ستعمل على المس بكل مظاهر السيادة اللبنانية في حال اندلعت مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله.
وتابعت المصادر بان الجيش اللبناني واليونيفيل يراقبون من جانبهم المناورات التي يشارك فيها اكثر من 30000 جندي اسرائيلي على طول الحدود الممتدة من الناقورة الى الجولان، وسط عودة الطائرات الاسرائيلية الى ظاهرة اطلاق البالونات الحرارية بكثافة خلال تحليقها في المجال الجوي اللبناني وفوق الحدود، في اجراء كانت قد توقفت عنه، وهو ما فسره المراقبون مخاوف من استهداف هذه الطائرات بواسطة صواريخ مضادة، معتبرة ان المناورات الاسرائيلية غير مسبوقة منذ العام 1998، تؤكد أن تل ابيب انتقلت الى الوضع الدفاعي في وجه حزب الله وغير جاهزة لشن هجوم يهدد سيادة لبنان، فهي تستخدم المناورات لمجرد التوظيف السياسي في الداخل الذي يتخوف من القوة التي اكتسبها الحزب نتيجة مشاركته في الحرب السورية.
في تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» سخر يوسي يهشوع المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرنوت» من ادعاء الجيش الاسرائيلي أنه لن يكون بوسع حزب الله احتلال مناطق داخل فلسطين في أية حرب قادمة، مذكرا «بأن إسرائيل عبرت عن مظاهر ثقة بالنفس مماثلة عشية حرب 2006 لكنه تبين أن هذه المظاهر كانت مبالغا فيها إلى حد كبير».
فهل تصح مقولته هذه المرة ايضا ويكسب حزب الله الرهان، خصوصا ان كل التحليلات تشير الى ان المناورة الاخيرة انتهت الى صفر نتائج لانها حاكت سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الخطط التي طبقها حزب الله في معركة دير الزور.