IMLebanon

الجيش العربي السوري؛ معجزة الحرب

بهدوء | 

يخوض الجيش العربي السوري، منذ أربع سنوات، وما يزال، حرباً مستمرة من طراز جديد غير مسبوق، أصبح يحتاج إلى وقفة بحثية، ليتها تتبلور في ندوة متعددة الأبعاد، عسكرياً واجتماعياً وثقافياً؛ فهذه الحرب ليست حربا تقليدية، ولا حرباً لصد عدوان خارجي يشنه عدو تقليدي، ولا حرباً لإخماد تمرد مسلح، ولا حرباً مع عصابات حدودية، وليس ممكناً، بعد، تصنيفها.

دعنا نرى الآتي:

ــــ لا يمكن، بل من المضحك، وصف ما حدث ويحدث في سوريا بأنه «ثورة» أو «ثورة مسلحة»؛ فهذه مشروطة، حتماً، بكتلة اجتماعية سياسية وازنة تمثّل نوعاً من الاجماع الوطني على تغيير النظام، ولو بالقوة؛ عندها نكون في مواجهة ثلاثة سيناريوهات ممكنة: نجاح الثورة بالاستسلام السياسي للنظام القائم، أو الحرب الأهلية بين السلطة المعزولة والاجماع الوطني، أو قمع الثورة بالتسوية مع الاجماع الوطني رفقة العنف، عدا ذلك نكون أمام تمرد مسلح. أما إخماد التمرد المسلح والعصابات الحدودية، فتواجهه قوات خاصة، شرط نجاحها تعاون دول الجوار في ضبط الحدود ومنع تزويد المتمردين باللوجستيات والسلاح والمناطق الآمنة، والدعم المالي والسياسي. وهذه كلها يحصل عليها المتمردون في سوريا؛

ــــ ولكن المتمردين المحليين السوريين، لم يكونوا سوى رأس جسر لمقاتلين غزاة أجانب مجهّزين ومدربين ويحظون بالدعم الاستخباري والعسكري والتسليحي والمالي من قبل تحالف المتواطئين، الولايات المتحدة وفرنسا واسرائيل وأنظمة تركيا والسعودية وقطر والأردن وفريق 14 آذار اللبناني؛

ــــ إذاً، فهو غزو يستخدم ميليشيا الإرهابيين، لكنه لا يعلن الحرب، ويستند إلى حواضن اجتماعية داخلية متمردة ولكنها لا تشكل اجماعاً ولا تمثل حيوية سياسية، فيتم معاملتها بالعصا والجزرة، واخضاعها لعصابات سلطوية؛

ــــ وعندما يكون هناك تحالف مصمّم على الغزو، ويقوده من غرف عمليات في بلدان الجوار، فهذه تقترب من حرب تقليدية، خصوصاً في شمال سوريا حيث يقوم الأتراك بإدارة العمليات والمشاركة الحربية الميدانية الخ؛

ــــ لكنها ليست الحرب التقليدية النظاميّة التي تحدث بين جيشين، وتقع ضمن سياق ميداني وسياق سياسيّ معينين، ولها نهاية يمكن التنبؤ بها، ويتطلب خوضها، من أي جيش، سواء في الهجوم أو الدفاع، وجود سيطرة سياسية ــــ أمنية على كامل الجبهة الداخلية.

ووسط كل هذا التعقيد الميداني، نلاحظ ما يلي:

أولاً، في مقابل المحدودية الواقعية للتجنيد والحشد لدى الجيش السوري، واستشهاد ما يقرب من 55 الف شهيد من القوة الضاربة للقوات السورية، يوجد، لدى التحالف المعادي، خزّان بشري دولي من المجرمين والإرهابيين والمرتزقة؛

ثانيا، في مقابل انخفاض المستوى المعيشي للضباط والجنود السوريين ــــ بسبب انخفاض سعر الليرة والتضخم ــــ فإن المستوى المعيشي للمتمردين المحليين والمرتزقة، ارتفع لأنهم يقبضون بالدولار، ويستبيحون المجتمعات المحلية، ويعيش أغلبهم في جنّات أرضية من لذائذ الجنس والطعام والمتع الخ، ويموّلون جناتهم هذه بالدعم الخارجي وباللصوصية معا؛ فالجندي السوري ــــ بعكس المتمرّد والمرتزق ــــ لا يحقق، في هذه الحرب، شيئا لنفسه. ولا استبعد، بالطبع، خروقات تتم في اوساط الميليشيات المساندة للجيش، إنما الضابط والجندي يقاتلان، بالعمق النفسي والروحي والاجتماعي، كمقاومين. وهو ما جعل من التنسيق بينهم وبين مقاومين بالمعنى الفني من حزب الله، ممكناً.

ثالثا، … ورغم كل ما ذكرناه، وهو غيض من فيض في فهم هذه الحرب المعقدة، لم تتشكل في سوريا، حتى الآن، حكومة حرب، ولا اقتصاد حرب، ولا مجتمع حرب، ولا إعلام حرب؛ بل بقيت الإدارة التقليدية البيروقراطية لأيام السلم تعمل، بالأساليب السابقة، وكأنه انجاز.

رابعا، وإلى ذلك كله، لم يتكرس مبدأ عملي لتكريم البطولة المدنية والعسكرية؛ فالحسابات والمحسوبيات، لا الشجاعة والإقدام والتضحيات، هي التي تقرر مكانة المواطن في كثير من الأحيان.

باختصار، إن صمود مجتمع الدولة في سوريا، والقتال الاستثنائي البطولي للجيش السوري، هما معجزة الإيمان بهذا البلد العظيم الذي يدافع عن الحضارة والإنسانية في مواجهة الوحشية الظلامية الإرهابية التي تهدد العالم كله.

×××

بالمناسبة، أعلن رئيس الحكومة السورية، وائل الحلقي، منح المقاتلين الميدانيين في الجيش العربي السوري، مكافأة شهرية قدرها عشرة آلاف ليرة (حوالي 35 دولاراً)، ووجبات ساخنة. هذه «المكافأة»، على هزالتها، تأخرت كثيرا، وجاءت ناقصة ومثيرة للاستياء؛ فالقرار هو «مكافأة» عمل ميداني، أي للمقاتلين بالميدان، وليس لكل منتسبي القوات المسلحة، بمن فيهم الجرحى وأسر الشهداء؛ فهؤلاء ليسوا في الميدان! إنها عقلية إدارة شركة، تربط المكافآت بالتحفيز، من وجهة نظر محاسب شاطر.

ما يصنعه جيشنا السوري لا يمكن تقديره بالمال، بل لا يمكن، كما قلنا، تصنيفه، عسكرياً. إنه معجزة للتأمل؛ ولقد آن الأوان للاعتراف بحق الضباط والجنود في الحصول على مكاتب الوزراء؛ المطلوب حكومة عسكرية عُرفية، تُخضع كل الجهود والموارد والإدارات، لصالح القوات المسلحة.

العسكري أولا، لأن الحرب أولا، والنصر أولا، وسوريا أولا.