امتناع السلطة في لبنان عن إدارة أزمة «اللجوء السوري» ساهم في إشاعة «خطاب» يحمّل اللاجئين في لبنان كل الأزمات التي يعانيها اللبنانيون. في هذا السياق، يواصل العديد من البلديات اتخاذ إجراءات لا تندرج ضمن صلاحيات السلطات المحلية، منها القرارات التي اتخذتها بلديتا الحدث وجونية وقضت بإقفال المحال التي يستثمرها أو يعمل فيها سوريو
«الحدث هي البلديّة المثاليّة في كيفيّة إدارتها لأزمة النزوح السوري»، هذا ما قاله وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل لرئيس بلديتها جورج عون، وفق ما صرّح الأخير لـ«الأخبار»، تبريراً للإجراءات التي تتبعها البلديّة تجاه اللاجئين السوريين عبر منعهم من العمل في أي قطاع ضمن نطاقها الإداري، باستثناء القيام بأعمال النظافة والبناء والزراعة.
يقول عون إن «بلدية الحدث تطبّق هذا الإجراء منذ فترة طويلة، تنفيذاً لقرار وزير العمل محمد كبّارة المتعلّق بتحديد المهن المحصورة باللبنانيين… وقد ساهم ذلك في عدم وجود أي عامل سوري في الأعمال المحرّمة عليه في نطاق بلديتنا».
ما يحصل في الحدث ينسحب على بلديات أخرى، من ضمنها بلدية جونية التي وجّهت تنبيهاً في 2 آب الحالي «تنذر فيه كلّاً من اللبنانيين والرعايا الأجانب بضرورة مراعاة قانون وقرارات وزارة العمل في ما خصّ نوع الأعمال المسموح بها للأجانب تحت طائلة المسؤوليّة القانونيّة»، وقد أعطت «المخالفين مهلة أسبوع من تاريخ إرسال التنبيه لتنفيذ هذه القوانين». يقول رئيس بلدية جونية، جوان حبيش، إنه «استند إلى القوانين التي تنظّم العمالة الأجنبيّة التي تحدّد المهن التي يحقّ للسوريين العمل فيها، وإلى القرار الصادر عن وزير العمل في هذا الإطار، وإلى اللقاءات التي جمعت رؤساء بلديات بوزير الاقتصاد لتنظيم العمالة الأجنبيّة، فضلاً عن النقمة المتولّدة عند الناس نتيجة المضاربة غير المشروعة التي يقوم بها السوريون، الذين لا يدفعون الرسوم والضرائب المتوجبة عليهم… وهي نقمة موجودة في كلّ البلديات اللبنانيّة». ويتابع حبيش: «لقد أرسلنا تنبيهاً إلى 86 محلاً موجوداً في نطاق بلدية جونيّة، وأغلبها محال خضار وأفران مناقيش ومحال حلاقة، لا حاجة فعليّة إليها، وطلبنا إغلاقها خلال أسبوع، علماً بأن هذه مسؤوليّة اللبنانيين الذين يغطّون هذه المخالفات ويسمحون بتأجير محالهم لهذه الغايات». ويضيف حبيش «كلّ اتهامات العنصريّة هي حكي بلا طعمة، هناك قانون يجب تطبيقه أو إلغاؤه، تماماً كما يحصل في كلّ الدول الأخرى».
بلديات متجاوزة لصلاحياتها!
لا تتحصر هذه التدابير في بلديتي الحدث وجونية، بل تمتدّ لتطاول بلديات أخرى في محافظات مختلفة، وهي تستند لطردها اللاجئين أو إغلاق المحال التي يعملون بها إلى القرار 41/1 الصادر عن وزير العمل محمد كبارة في 28 كانون الثاني 2017، الذي يحدّد المهن المحصورة باللبنانيين، بحيث يسمح للعمال الأجانب بالعمل فقط في البناء وأعمال النظافة والزراعة، علماً بأن هذا القرار هو مشابه للقرار الذي أصدره وزير العمل السابق سجعان قزي الرقم 179/1، وهو قرار يصدر سنوياً منذ فترة طويلة ولا علاقة له بأزمة لجوء السوريين منذ عام 2011.
بحسب المحامية في المفكرة القانونيّة غيدا فرنجية «لا ينصّ قانون البلديات على صلاحيّات مماثلة للسلطات المحليّة تقضي بإغلاق محال يعمل بها أشخاص من جنسيّة محدّدة، أو تنظيم سوق العمل وتقييد حقّ أي فرد بممارسته»، وبحسب فرنجية «تعود هذه الصلاحيّة إلى وزارة العمل عبر المفتشين التابعين لها».في الإطار نفسه، يشير مدير منظّمة لايف المحامي نبيل حلبي إلى أن «البلديات لديها صلاحيات مماثلة على المحال التي ترتكب مخالفات للنظام العام، أي افتعال مشاكل أمنيّة وسياسيّة أو أعمال تنطوي على تعديات على الناس، فضلاً عن ارتكابها مخالفات للآداب العامة والسكينة العامّة. أمّا عدم دفع هذه المحال الرسوم البلديّة المتوجبة عليها، فإن القانون وصلاحيات البلديات تقضي بإنذارهم وتحويلهم إلى المحكمة، وصولاً إلى الحجز على ممتلكاتهم من دون أن يؤدي ذلك إلى إغلاق المحال»، ويتابع الحلبي «هذه قرارات تعسفيّة، تخالف الدستور وحق الإنسان في العمل، إضافة إلى أن إقفال محال تعمل فيها شريحة محدّدة من الناس يستوجب إصدار قانون من مجلس النواب، وهو ما لا يمكن أن يحصل لما ينطوي عليه من عنصريّة».
مساهمة السوريين في الاقتصاد
الحجج التي يتذرع بها رؤساء البلديات لممارسة صلاحيات تعود الى السلطة المركزية تتصل بادعاء ليس مسنوداً الى أي أرقام أو إحصاءات، فجميع هؤلاء يقولون إن السوريين ينافسون اللبنانيين على لقمة عيشهم ويسلبون فرص عملهم، ويعتبرون أن من واجباتهم حماية حقوق اللبنانيين، حتى لو كان ذلك عبر إجراءات ضد حقوق الإنسان. يدحض إحصاء أخير أجرته «الجامعة الأميركيّة في بيروت» كل مزاعم «تدهور الاقتصاد اللبناني نتيجة اللجوء السوري» التي يُروّج لها وتطغى على كلّ الخطاب الشعبوي، إذ تشير إلى أن السوريين يعدّون أحد أبرز محرّكي العجلة الاقتصاديّة في لبنان، كونهم «يساهمون بقيمة 1.25 مليار دولار أميركي سنوياً في الاقتصاد اللبناني، ويدفعون نحو 30 مليون دولار شهرياً بدل سكن و 20 مليون بدل غذاء، فيما استحدثوا 12 ألف وظيفة جديدة بين اللبنانيين خلال عام، وفقط 6% من السوريين افتتح محلات»، وبحسب مدير الأبحاث في معهد «عصام فارس» في الجامعة، ناصر ياسين، «تأتي هذه الوظائف المُستحدثة وأغلبها تتركّز في الدوام المسائي في المدارس التي خصّصتها الأمم المتحدة لأبناء اللاجئين السوريين»، كما يتبيّن وفق البحث الذي أجري أن «80.5% من السوريين المسجّلين في لبنان هم من النساء والأطفال، وهو ما يعني أن هناك مبالغة في التصويب على جدية المنافسة السورية».
يقول الوزير السابق شربل نحّاس في مقابلة أخيراً على تلفزيون «المنار» إن المداخيل في لبنان ارتفعت نتيجة اللجوء السوري. ويربط هذه النتيجة بثلاثة عوامل: «اندلاع الحرب السوريّة التي قلّصت المداخيل بنسبة 10% نتيجة تراجع حركة السياح، قبل أن يعدّلها دخول قرابة 1.5 مليون لاجئ ساهموا في زيادة الإنتاج عبر عملهم واستهلاكهم، إضافة إلى تدفق المساعدات بنحو مليار دولار سنوياً، ما زاد الاستهلاك والاستيراد حكماً، وانعكس ارتفاعاً على المداخيل الإجماليّة بنسبة 2%، في وقت تقلصّت فيه حصّة الفرد الوسطيّة من المداخيل بنسبة 15%، نتيجة زيادة عدد السكان في لبنان بنحو 20%، وأبرز هؤلاء المتضرّرين هم السوريون أنفسهم وقسم كبير من المقيمين اللبنانيين وغير اللبنانيين، فيما حافظ أصحاب المعاشات الثابتة على مداخيلهم، وزادت أرباح أولئك الذين أجّروا واستقطبوا السوريين للعمل مقابل معاشات متدنية».