اتفق أعضاء مجلس الأمن في خلوتهم نهاية الأسبوع الماضي في السويد، على صيغة منمقة لبيان يوحي بأنهم توافقوا على إحياء العمل بالحل السياسي للأزمة السورية، وبعد أيام خرج المسؤولون الدوليون الذين اجتمعوا في بروكسيل تحت عنوان «مستقبل سورية والمنطقة» بانطباع بأن الحل السياسي في سورية مازال بعيداً، وبالتالي لا بد من تأمين الدعم للدول المضيفة للنازحين السوريين بما يناهز 5 بلايين دولار. لم يبق مسؤول، بمن فيهم المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا، إلا واكتشف من بروكسيل كم هو محزن عدم إنتاج اجتماع أكثر من 50 دولة في عاصمة الاتحاد الأوروبي أي بارقة أمل بوقف الحرب.
خلوة السويد بين أعضاء مجلس الأمن كانت تحتاج إليها واشنطن وموسكو لتهدئة الخواطر، بعدما بلغت الاتهامات المتبادلة بينهما، حول المسؤولية عن استخدام الكيماوي في دوما مطلع الشهر، ذروة قلما شهدتها الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن الماضي، وبعدما رفعت الحرب الروسية بالاشتراك مع النظام السوري وإيران ضد الغوطة الشرقية لطرد المعارضة منها، التوتر الدولي إلى حد توجيه واشنطن وباريس ولندن ضرباتها الصاروخية والجوية إلى سورية في 14 الجاري لرد الصفعات الروسية للغرب بمثلها، من دون تغيير الوقائع على الأرض.
انتهت موقعة الكيماوي، من سالزبوري إلى دوما، بعرض قوة لا يريد أي من الدول الكبرى أن تتعداه إلى مواجهة مباشرة، لا سيما بعد أن تصاعد حديث الحرب الإسرائيلية- الإيرانية إثر نجاح إسرائيل في استهداف الوجود الإيراني في مطار تي 4. ومن أجل تجنب أي انزلاق إلى المواجهة المباشرة، استمر التنسيق بين الجيشين الأميركي والروسي حول الطلعات الجوية في الأجواء السورية. وكان لا بد من أن يتناغم لجم التصعيد السياسي في السويد مع لجم التصعيد العسكري في بلاد الشام.
في الانتظار يحافظ «المجتمع الدولي»، لا سيما واشنطن وموسكو، على قواعد الاشتباك في الحرب بالواسطة، ولذلك نشهد مرور طائرات من دون طيار فوق قاعدة حميميم الروسية فيتم إسقاطها كما حصل الثلثاء الماضي.
مرة أخرى يرسم المجتمع الدولي حدوداً لتورطه في سورية وينخرط مجدداً في عملية تنظيم الحرب وإدارتها بالواسطة بين روسيا ودول الغرب. تتكرر المعادلة المأسوية القائلة: ممنوع قتل السوريين بالكيماوي ويمكن غض الطرف عن قتلهم بالبراميل المتفجرة.
لا حديث عن استئناف مسار جنيف للمفاوضات. حتى حديث مؤتمر سوتشي الذي أرادت موسكو عبره مصادرة هذا المسار انحسر، على رغم الوعد بالعودة إليه بعد السيطرة على الغوطة. وحتى حديث اجتماعات آستانة التي استبدل من خلالها الكرملين بتنفيذ قرارات مجلس الأمن وقف النار ووقف الأعمال الحربية وإدخال المساعدات الإنسانية… غاب عن الساحة الإعلامية. بات لزوم ما لا يلزم، لأن الجموح الروسي الإيراني (والتساهل التركي) أنهى مناطق خفض التوتر الأربع التي ابتدعتها آستانة، ولم يبق منها سوى المنطقة الجنوبية (درعا- القنيطرة- السويداء) وهي في عهدة الولايات المتحدة والأردن، والتي يتحرش بها الإيرانيون بين الفينة والأخرى لجس نبض الإسرائيليين بهدف التوسع من ضواحي دمشق نحو الحدود مع الجولان. أما محافظة إدلب فإن هجمات جيش النظام والميليشيات الإيرانية قضمت منها ما استطاعت في الأشهر الماضية، مع غض نظر تركيا، التي يفترض أنها ضامنة التهدئة فيها، لأن همها كان عفرين ومناطق الشمال.
غياب أي افق للحل السياسي بعد موقعة الكيماوي والـ «تي 4» ليس سوى مساحة زمنية لهضم التحالف الروسي الإيراني «انتصار» الغوطة، وإتاحة المجال للتغيير الديموغرافي الذي ينفذه النظام عبر مصادرة أملاك سكانها وسكان القلمون الشرقي والغربي عبر القانون الرقم 10، مثلما يحصل في شرق حمص وغيرها. كما أنه التقاط أنفاس من أجل التحضير للموقعة التالية التي توحي كل المؤشرات بأنها ستكون في إدلب، إذا لم تسبقها مواجهة إسرائيلية- إيرانية لا يتوقف الترويج لها منذ سنوات، ويتساوى احتمال حدوثها مع عدمه.
قد نسمع في الاجتماع الوزاري الروسي التركي الإيراني غداً في موسكو، صدى لحديث الحل الموعود بعد التداول فيه في خلوة السويد، حيث تناول البحث مجدداً صيغة تشكيل مجلس عسكري بين الجيش السوري وجيوش المعارضة الموزعة بين مرجعيات إقليمية، وإحياء العمل لمرحلة انتقالية في الحكم. لكن جدول أعمال الاجتماع بعيد من ذلك، فلا إيران قابلة بأي تنازل، لا سيما بعد الاتفاق الأميركي- الفرنسي على الحد من نفوذها في سورية، ولا تركيا غيرت أولويتها بالتمدد شمالاً. ولا موسكو تخلت عن استعادة مناطق جديدة لمصلحة تثبيت الأسد.