هل هكذا يكافأ شعب دفع دماً في سوريا؟ وما رأي “حزب الله”؟
عادت الرحلات الدينية تنشط نحو سوريا في الفترة الاخيرة، رغم ارتفاع الاسعار، وقد تخطت الـ35 دولاراً في معظمها. فهذه الحملات، عادة ما تكون تجارية بإمتياز، وينشط على خطها تهريب المعسل من لبنان نحو سوريا، فاللبناني شاطر يحاول استغلال كل الفرص المتاحة، والتي تبدأ من سعر الحملة المحددة بـ15 دولاراً للشخص الواحد الى المنامة التي تصل الى 40 دولاراً لليلة واحدة الى غيرها، الا انه يواجه ازمة عبور حقيقية عند نقطة المصنع، حيث الذل سيد الموقف، وعليك اما الدفع او الانتظار لساعات وساعات، من دون عذر واضح.
والسؤال، هل هكذا يكافأ شعب دفع دماً في سوريا؟ وما رأي «حزب الله» بما يحصل عند المصنع حيث ان معظم الزوار من الطائفة الشيعية الذين يتجهون نحو سوريا لزيارة المقامات الدينية، اضافة الى التجارة على خط سوريا ـ لبنان.
يواجه اللبناني ازمة عبور عند نقطة المصنع السوري حيث القيود قاسية جداً، ولا حل لها الا بالرشوة، حيث الذل «ماشي» وعلامات التجهّم بادية على كل الوجوه ولا حل الا بالدفع، وهو ما اثار استياء الزوار.
«بتدفع بتمرق، ما بتدفع بتنطر او بترجع ع لبنان»، معادلة فُرِضت عند نقطة المصنع السوري، حيث يعيش اللبناني كابوساً حقيقياً، علامات القهر تبدو على يوسف صاحب احدى الحملات لاكثر من 4 ساعات انتظرها عند نقطة المصنع دون سبب مقنع، يؤكد انه دفع للموظف لتمرير الهويات، غير ان الموظف غادر وجاء بديل عنه فأخّر المعاملة، الى ان تم دفع مبلغ اضافي له، ما دفعه للقول: «يلي منطلّعهن مندفعن عالمصنع». ففي الوقت الذي يغرق لبنان بالنازحين السوريين، الذين ينعمون بالدولار الفريش والطبابة والمدارس والايجارات وغيرها، ويرفض هؤلاء مغادرة لبنان لانهم يعيشون «بمهد عيسى»، فاللبناني يواجه الذل عند المعبر السوري، ساعات الانتظار تطول لانجاز معاملة الدخول، فالتعقيدات غير المبررة عند نقطة المصنع تعيق عملية انجاز ختم الدخول، والتي لا تنتهي الا «بالدفع»، فكل ورقة يجب ان تدفع 4000 ليرة سورية لانجازها، بدءاً من فحص الـpcr الى شهادة اللقاح، الى الهوية وغيرها، والمواطن يقع بين امرين إما الدفع او العودة الى لبنان، ما دفع بكثر للسؤال عن سبب هذا الذل الممارس هنا.
يؤكد صاحب احدى الحملات الامر، بل يذهب ابعد من ذلك للقول «ربحنا ندفعه رشوة»، وهو أمر مستغرب جداً، فالقيود الموضوعة غير بريئة برأيه، واكثر يقول: «النازحون يعيشون مكرمين في لبنان، بينما يُذل اللبناني عند الحدود».
لاكثر من اربع ساعات انتظرت فاطمة ووالدها عند نقطة المصنع، رغم أن اوراقها سليمة، الا أن الموظف رفض وضع الختم للدخول، وكاد يجبرها على العودة الى لبنان لولا تدخل الوساطة والمال والعمل على معالجة الورقة في مركز المعاملات في ريف دمشق. وفق فاطمة التي كانت تتجه نحو سوريا لقضاء عطلتها فإن «الاوراق كانت سليمة، وليس عليها اي علامة استفهام، فقط ارادوا إذلالنا لا اكثر».
لا ينكر أحد حجم الانتظار عند نقطة المصنع، ولا حجم الرشاوى التي تدفع، غير أنه كله يهون امام الانتظار. حاولت سلوى القادمة من منطقة الشوف باتجاه سوريا الاستفسار عن سبب رفض فحص الـpcr الخاص بها من دون جدوى، فالموظف هنا لا يمشي الا «بالمصاري» رفعت صوتها قائلة «ع شو عم بتذلنا هيك»؟ الامر الذي ادى الى توقيف بيانات الحملة كلها، وطلب الاعتذار ايضاً، ما دفع بصاحب الحملة ووالدة الشابة للاعتذار ودفع مبلغ من المال، هذا الامر اعتبرته سلوى «ذلّاً كبيراً، فالسوري في لبنان يسرح ويمرح، يأخذ كل شيء العمل والمال والطبابة والدولارات التي يشترون بمعظمها الذهب، في حين يعاملوننا اسوأ معاملة».
«تحول المصنع السوري الى مغارة علي بابا، فاستغلال الحملات واضح، فالازمة الاقتصادية ضاعفت من حجم القيود المفروضة، وكل حملة تدرك هذا الامر، فهي تخصص جزءاً من ارباحها للبقشيش، والا فإنهم يفرضون قيوداً علينا»، يقول صاحب احدى الحملات الذي يستغرب ما يحصل، لافتاً الى ان لبنان قدم الكثير لسوريا، فلماذا يردون لنا التحية بالإساءات»؟
معاناة اللبناني تزيد مع ازياد الحملات التي عادت لتنشط بقوة، رغم ارتفاع اسعار البضائع والتسوق داخل سوريا، ومع ذلك ما زالت اسعارها ارخص بقليل من لبنان، تقول الحاجة ام محمد التي عادت لتشتري بضائع بالجملة من سوق الحميدية، فهي ارخص من لبنان على حد زعمها، غير ان ما استفزها هو المعاناة عند المصنع، «رغم اننا من الجنوب الذي قدم الكثير من الشهداء، بس شو منعمل ما في شي بيمشي بلا مصاري».
ليس المصنع اللبناني بأفضل حال، فتجديد رخصة عبور الحافلة ارتفع 99 مرة عما كان، فالتجديد الذي كان قبل الازمة بـ20 دولاراً بات بـ100 دولار أميركي، يقول صاحب الحملة الذي يستغرب ما يحصل، «وكأننا في دكانة كل واحد فاتح ع حسابو، حكماً الازمة المعيشية ارخت بثقلها على الجميع، ولكن ان تصبح الامور فلتانة الى هذا الحد، فهو امر يستدعي تدخلاً للمعالجة»، وهذا ما يطالب به جهاد الذي يرى ان ما يحصل معيب بحق اللبناني.
تسهم الحملات بانعاش السوق السوري، الذي عاد لأوجّه من جديد، فعادة ما كان متنفساً للبنانيين لرخص الاسعار وتحديداً الدواء حيث ان معظمهم يذهبون بحثا عن الدواء لانه ارخص من لبنان بكثير، وهو ما يبرر حجم الاقبال على تلك الرحلات التي ينشط عبرها التهريب على عكس ما كان يحصل سابقاً، وتحديداً المعسّل، الذي كان يتوفر بالسوق الحرّة سابقاً، اليوم يُهرّب من لبنان باتجاه سوريا عبر العديد من الحملات التي تعتبره ربحاً لها بالنظر الى ما يواجهونه من عذابات عند نقطة المصنع.