IMLebanon

أطفال سوريا في أتون الحرب: «الربيع» يغتال البراعم

تركت الحرب السورية آثارها على كل المناحي المتعلقة بالأطفال. من الصحة، إلى الوضع المعيشي، وليس انتهاءً بالمنظومة الأخلاقية. يتربع التعليم على رأس المجالات التي طاولتها آثار الحرب، وتركت جيلاً بأكمله عُرضة للضياع. جرائم كثيرة تُرتكب تحت ستارالتعليم، وتهدد بتحويل شريحة من الأطفال السوريين إلى مشاريع تكفير مستقبلية

في إحدى «مدارس المعارضة السورية» في تركيا يدرس أحمد (اسم مستعار). الطفل البالغ من العمر 10 سنوات يقول إنه خرج من سوريا مرغماً لأنه صار مطلوباً! حين كان في قريته في ريف إدلب تعلّم استخدام السلاح، ونشرت إحدى «الكتائب» صورته متباهيةً به. لاحقاً قررت عائلته الانتقال إلى تركيا «خوفاً عليه»، لكنّ الحرب لم تنتهِ بالنسبة إليه: «هلأ عم أتعلم بالمدرسة، بس أكبر رح أرجع عالبلد وقاتل الكفار»!

أحمد واحد من الأطفال السوريين الذين أطاحت الحرب طفولتهم. ومن دون التقليل من خطورة كل ما يتعرض له الأطفال في ظل الحرب، يمكن القول إن المخاطر الأكبر تتمثل في ظروف التعليم وما يتصل به من قضايا. ومثل كلّ شيء في سوريا اليوم، لا يمكن الحديث عن الأطفال من دون أن تؤدي التقسيمات دورها.

التعليم داخل سوريا

وفقاً لأحدث إحصائية نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة Unicef فإن حوالى 3 ملايين طفل نزحوا داخل سوريا، من بينهم مليون طفل باتوا خارج المدارس، إضافة إلى حوالى مليون طفل مهدد بالتسرب من المدارس بسبب انعدام الأمن، و255 ألف طفل داخل سوريا يحصلون على تعليم غير رسمي، و50 ألف طفل يتلقون دعماً نفسياً.

يستمر التعليم في مناطق سيطرة الدولة السورية. المناهج موحّدة، والكادر التدريسي مكتمل، ومستمر في قبض رواتبه. ثمة مشكلات تتعلق بقدرة الأبنية المدرسية على استيعاب الطلاب، نتيجة نزوح أعداد هائلة من عائلات المناطق الساخنة. وأخرى ترتبط بالوضع الاقتصادي الذي يحول دون استطاعة كثير من العائلات تأمين اللباس المدرسي الموحّد، أو القرطاسية والكتب، لأبنائها. في مطلع العام الدراسي عمّمت وزارة التربية السورية على مديرياتها ضرورة «عدم التشدد مع التلاميذ والطلاب في موضوع اللباس المدرسي، والحرص على الدقة في تحديد المطلوب من اللوازم المدرسية». كذلك أتاحت الوزارة لأطفال الأسر المهجرة التي لا تملك أوراقا رسمية ثبوتية «التقدم لفحص تقويمي في أقرب مدرسة، تستخدم نتيجته لتسجيل الطفل في المدرسة». بحسب وزارة التربية، فقد توجه 4.373.522 طالباً إلى مدارسهم في العام الدراسي الحالي، منهم 107.374 في مرحلة رياض الأطفال، و3.749.113 تلميذاً وتلميذة فى مرحلة التعليم الأساسي، و475.303 طلاب في مرحلة التعليم الثانوي. بالعموم، تبقى العملية التعليمية في هذه المناطق هي الأفضل رغم الإرباك الكبير الذي أصابها. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى عودة ظواهر كانت في طور التلاشي قبل الأزمة، مثل تلقين أهازيج «تمجيد القائد» لطلاب المرحلة الدراسية الأولى في بعض المناطق.

حوالى 85 % من المدراس في تركيا ذات توجه ديني

يختلف الأمر في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة اختلافاً جذرياً. ثمة نقص هائل في الأبنية التي تحول معظمها إلى مقارّ للمسلحين، واستهدفت القذائف والبراميل كثيراً منها (وفقاً ليونيسيف واحدة من كل خمس مدارس في سوريا أصبحت غير صالحة للاستخدام). ويبرز أيضاً النقص في الكادر التدريسي المؤهل. المشكلة الأكبر في هذه المناطق تتمثل في المناهج المعتمدة. ثمة مناطق تعتمد «المنهاج السوري المُعدّل»، (الأحياء الشرقية في حلب على سبيل المثال). ويُعتمد المنهاج السعودي في بعض المناطق (أجزاء من ريف إدلب، مثالاً). كذلك يدرّس المنهاج الليبي في مناطق أخرى (مثل ريف اللاذقية الشمالي). ويعود الاختلاف بين المناطق إلى اختلاف المجموعات المسيطرة، وأجندات المنظمة الداعمة (مثلاً، تشترط مؤسسة «علم» اعتماد المنهاج الليبي). ولا تتوافر إحصائيات موثوق بها حول عدد الأطفال الذين يتلقون التعليم في الداخل السوري خارج سيطرة الدولة السورية.

لبنان والأردن

تسهم المنظمات الدولية بتمويل تعليم السوريين في لبنان والأردن. وعلاوة على مشكلات اللجوء على نحو عام، والاقتصادية منها على وجه الخصوص، يأتي على رأس الصعوبات التي يعانيها الطلبة غياب منظومة محددة لتعليم السوريين. يتلقى هؤلاء مقررات منهاجي لبنان والأردن في المدارس الرسمية، فيما يختلف الأمر في المخيمات. ووفقاً لوزارة التربية الأردنية فإن عدد الطلبة السوريين بلغ 115 ألف طالب حتى مطلع عام 2014، مع توقعات بارتفاعه إلى نحو 140 ألف طالب مع نهاية العام. ووفقاً لبيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين حول العام الدراسي الماضي، فإن «أﻛﺛر ﻣن نصف اﻷطﻔﺎل السوريين ﻓﻲ ﺳن اﻟدراسة ﻓﻲ اﻷردن ﻻ يذهبون إﻟﻰ اﻟﻣدرﺳﺔ وهناك 5% ﻣن اﻷطﻔﺎل ذﻛروا أنهم ﺗﺳرﺑوا ﻣن اﻟﻣدارس». الأمر الذي تردُّه المفوضية إلى «اﻟﺗﺣدﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﯾواجهها اﻷطﻔﺎل ﻣﻊ اﻟﻣناهج اﻷردنية، أواﻟﻌﻣل ﻣن أﺟل ﺗوﻓﯾر ﻣﺻدر دﺧل ﻷﺳرهم، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ازدﺣﺎم ﺻﻔوف اﻟﻣدارس اﻷردﻧﯾﺔ».

أما في لبنان، ووفقاً للمتحدثة باسم مفوضية اللاجئين، فيجري تعليم 157 ألفاً من أصل 400 ألف لاجئ في عمر الدراسة. فيما يستمر التعليم «غير التقليدي» في مراكز التنمية الاجتماعية وبعض الجمعيات لـ60 ألف طفل على الأقل.

تركيا… جرائم باسم التعليم

أخطرُ ما يتعرّض له الأطفال السوريون تحت ستار التعليم مسرحه الأراضي التركية. المدارس التي تتقاسمهم هناك موزعةٌ على «أيديولوجيتين» أساسيتين. الأولى تُشرف عليها «منظمات ومؤسسات» تابعة لجماعة «الإخوان المسلمين». المفارقة أنّ المناهج التي تعتمدها هذه المدارس تُعد معتدلة إذا ما قيست بمنافستها الوهابية. الأخيرة تحضرُ بقوّة في المدارس التي يشرفُ عليها مشايخ سعوديون ويوفرون التمويل اللازم لها. ووفقاً لتقديرات متقاطعة أفاد بها لـ«الأخبار» عدد من الناشطين السوريين فإن «حوالى 85 % من المدراس السورية في تركيا هي مدارس ذات توجه ديني»، تلقن الطفل أفكاراً تدعو إلى «الجهاد»، وتُكفّر الجميع ما عدا «الفرقة الناجية»، وتفرض الحجاب على الطفلات منذ سن التاسعة. ووفقاً للناشطين «ينطبق ذلك بشكل من الأشكال على المدارس التي يشرف عليها الائتلاف المعارض». الأخير، وبعد ضغط من الجامعة العربية اعتمد أخيراً في مدارسه «المنهاج السوري المُعدّل»، حيث ألغيت مادة «التربية القومية»، وأجزاء من كتاب التاريخ، وعُدّل مقرر «التربية الإسلامية». تؤكد مصادر «الأخبار» أن «مدارس الائتلاف أيضاً شبيهة بالمدارس الدينية (أعلاه). ورغم عدم تضمن ذلك في المناهج، لكن معظم الكوادر التدريسية تتولى تلك المهمة». من المدارس السورية المنتشرة في تركيا تبرز سلسلة «جيل الحرية»، في هاتاي، وغازي عنتاب، واسطنبول، وتشرف عليها «منظمة وطن» التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين». ومدارس «بناة المستقبل» في الريحانية، وأنطاكية، ومدرسة «أجيال السلام» في الريحانية، ويشرف عليها ويمولها «الشيخ» عدنان عرعور.

المنظمات الدولية في دائرة الاتهام

لا تقتصر ظاهرة «المدارس الدينية المتطرفة» على تركيا فحسب، بل تنتشر أيضاً في مخيم الزعتري بالأردن، وفي عرسال اللبنانية. ويرى معظم الناشطين الذين تحدثت إليهم «الأخبار» أنّ المنظمات الدولية مُقصرة في تسليط الضوء على الظاهرة، وخاصة ما يتعلق منها بتلقين الأطفال تكفير الآخرين، ما يتناقض كليّاً مع المادة 29 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تنص على «أن يكون تعليم الطفل موجها نحو: تنمية احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية (…)، إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات الإثنية والوطنية والدينية». ويؤكد «المركز السوري لحقوق الطفل» أن «الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها لم تتطرق نهائياً إلى هذه القضية. لم تحاول الوقوف على أسباب انتشارها، أو تستنكره ولو عبر بيان».

«المركز السوري»: إهمال الملف يهدد مشاريع السلام

يؤكد المركز السوري لحقوق الطفل أن «إهمال ملف الطفولة وقضاياه يمكن أن يقف عائقاً أمام أي مشروع سلام في سوريا مهما جرى توقيعه من هدن وتسويات». وتقول مدير المركز نسرين حسن لـ«الأخبار» إنه «إلى جانب الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال السوريون على مختلف الصّعد، فإن عمليات الأدلجة الممنهجة التي يُخضعون لها عبر التعليم في بعض المناطق الساخنة، وبعض بلدان اللجوء كفيلة بخلق أجيال من المتطرفين تقف عائقا أمام كل مشاريع السلام». يرى المركز أن بدايات الحل تتمثل في «العمل على وضع أجندة وطنية سورية موحدة تناقش ملفات الأطفال، والتحديات التي تواجهها، ولا سيما الهوية، وتعيد رسم سياسات المؤسسات التي تتعامل مع الأطفال، وتوجهها وفقاً لما يتناسب والإعلان العالمي لحقوق الانسان وجميع الاتفاقيات المنبثقة عنه».

لا شيء بخير…وجيل من السوريين الـ «بدون»

تتعدد الكوارث التي تطاول أطفال سوريا. وعلاوة على من حصدت الحرب أرواحهم، أو أورثتهم إعاقات جسدية مستدامة، يمكن القول إن الآثار النفسية قد أصابت جيلاً بأكمله. مخاطر انعدام الرعاية الصحية تتفاقم، إذ لا يحصل الأطفال على لقاحاتهم على نحو منتظم، وبعضهم لم يحصل عليها نهائياً. ومثل حال التعليم، يبقى الوضع الصحي في مناطق سيطرة الدولة السورية هو الأفضل، فيما تسوء المعطيات في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، وفي مخيمات اللجوء. ووفقا لليونيسيف، فإن 10.8 ملايين سوري بحاجة إلى دعم إنساني، من بينهم 5.8 ملايين طفل. ووفقاً للمكتب الإقليمي لدائرة المساعدات الإنسانية في المفوضية الأوروبية في عمان: فقد «تأثر حوالى 6.5 ملايين طفل بالحرب في سوريا، وهم الأكثر هشاشة». ومن بين القضايا المُلحة، برزت أخيراً قضية انعدام الجنسية التي تهدد عشرات آلاف الأطفال السوريين. المنظمات الدولية دقّت أخيراً ناقوس الخطر، في محاولة منها لتسليط الضوء على هذه القضية، والبحث عن حلول لها. المنشأ الأساسي لهذه الكارثة، عدم استطاعة كثير من العائلات تسجيل مواليدهم عبر وثائق رسمية، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين داخل سوريا، أو في بلدان اللجوء. ووفقاً لإدارة الحماية الدولية لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإنّ «كثيراً من الأطفال اللاجئين السوريين لم يتمكّنوا من الحصول على الوثائق التي تُثبت كونهم مواطنين سوريين. وقد يبقى هؤلاء الأطفال عديمي الجنسية، إلا إذا عُثر على حلّ لهذه المشكلة في وقت لاحق». تشير دراسة أجرتها المفوضية إلى أنّ 70 في المئة من الأطفال السوريين الذين وُلدوا في لبنان لا يحملون شهادة ميلاد رسمية، الأمر الي ينطبق على معظم بلدان الجوار. و«منذ بداية الصراع السوري عام 2011، وُلِدَ أكثر من 50,000 طفلٍ سوري في المنفى في البلدان المجاورة»، وفق المصدر ذاته.