استعادت قضية العسكريين الاسرى اولويتها التقليدية ، المفتوحة على الواقع الامني المترنح على المخاوف من مفاجآت جديدة في إطار تشظّيات الأزمة السورية ، متصدرة واجهة الاهتمامات اللبنانية بحسب مصادر متابعة للملف، على ضوء الاحداث الدراماتيكية المتسارعة التي شهدها الملف خلال الساعات الماضية والتي اطاحت بالزخم الايجابي الملحوظ الذي ولدته الزيارة الاخيرة للموفد القطري.
فعلى وقع الغارات والقصف المدفعي الذي تتعرض له مواقع المسلحين في الجرود من مناطق قريبة من الحدود اللبنانية ومن الداخل السوري من المناطق الواقعة شرق وجنوب القلمون، وآخرها جولة الاربعاء المسائية التي تركت اكثر من علامة استفهام لدى الجهات المعنية بحسب مصدر عرسالي، مع نجاة العسكريين المحتجزين لدى «جبهة النصرة» من موت محتوم بعد تدمير المنزل المتواجدين فيه بقذيفة مباشرة، بعد دقائق من خروجهم منه، خلال عمليات قصف عنيف اطلقت من الجانب اللبناني فيما نفى الجيش نفياً قاطعاً، من ان تكون مدفعيته قد استهدفت اي هدف الاربعاء، اضيفت الى الملف التعقيدات الناشئة عن قبول الحكومة اللبنانية «مسيرة» اعتماد الخيار الثالث القائم على مقايضة كل عسكري مخطوف بـ 5 سجناء من لبنان و50 سجينة من المعتقلات السورية، عقدة جديدة، بحسب المتابعين تمثلت في تضارب المعلومات حول مصير «ابو مالك التلي »التي تحدثت المعلومات عن مقتل أمير «جبهة النصرة» في القلمون ابو مالك التلي متأثرا بجروح اصيب بها ، الى جانب سبعة من قادة الجبهة وقائد «لواء فجر الاسلام» بعد استهداف الطيران السوري لموكبهم في جرود فليطا، فضلا عن مقتل 20 مسلحا واصابة 30 خلال العملية.
اجواء ارخت بظلالها على خلية الازمة التي لا توحي مصادرها بمخرج قريب للملف.عزز هذا الاتجاه ما نقل عن رئيس الحكومة قبيل اجتماع جلسة مجلس الوزراء،بناء على الاتصالات الداخلية والخارجية الجارية على اكثر من صعيد ومع اكثر من طرف، وسط ضغط دولي متصاعد باتجاه تركيا وقطر، كان آخرها اتصالات فرنسية بانقرة سبقت زيارة وفد للرابية.
وتعزو مصادر مطلعة سبب التعقيد الاساسي الى نجاح المسلحين في وضع الدولة نتيجة الشروط المعقدة التي تطالب بها بين مطرقة استنزاف الشارع اللبناني وسندان استدراج الحكومة إلى حوار تتجنّبه مع النظام السوري، في ظل تقاطع مريب بين ما اعلنه السفير السوري من وجود تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري والنفي القاطع للجيش اللبناني.
اذ بدى واضحا بحسب مصادر وزارية ، ان الخيار اللبناني، اوقع الحكومة في فخ قد يصعب الخروج منه، مع اعتراض العديد من الاطراف السياسية على قيام اي نوع من التواصل مع النظام السوري واصرارها على رفض اعطاء صك اعتراف بشرعية هذا النظام، لافتة الى ان دمشق «تمارس انتهازيتها التي عرفت بها على الدوام»، داعية الدوحة الى لعب هذا الدور، اولا لان وسيطها سوري، وثانيا كونها قامت بعمل مشابه غداة مشاركتها في مفاوضات اطلاق راهبات معلولا. خيار، يرفضه ايضا اهالي العسكريين الذين هددوا بتصعيد تحركاتهم في ظل ما يعتبرونه تقاعساً من الحكومة عبر اعتماد مسار للحل يرتبط جزء منه بالنظام السوري، مع غياب الوسيط السوري المكلف من قطر متابعة الملف (احمد الخطيب) بانتظار جواب الحكومة اللبنانية الرسمي على كيفية تأمين مخارج للخيار الثالث الذي ارتأته للمقايضة.
في المقابل يبدو ان الجانب السوري يريد مفاوضات مباشرة معه على قاعدة «من دولة الى دولة» وهو ما عبّرت عنه الرسائل التي نقلت من دمشق الى بيروت وتضمنت ثلاثة شروط سورية للدخول على الملف تمثلت في، طلب بيروت رسميا من دمشق المشاركة في عملية المقايضة، موافقة الحكومة اللبنانية على وجود تنسيق بين الجيشين السوري واللبناني، بحسب الصيغة التي طرحها السفير السوري اكثر من مرة ونقلت الى القيادة العسكرية، عدم الإفراج عن العقيد في الجيش الحر عبدالله الرفاعي تحت اي ظرف ، ومنع وجود ارهابيين على اراضيه.
إذا كان الملف الرئاسي أسير التقاطعات الاقليمية والدولية ،فإن قضية العسكريين الاسرى تبدو اكثر تشعبا في المسالك الإقليمية الواسعة وقد بدأت تأخذ ابعادا داخلية خطيرة ومأساوية بعد فقدان اهالي المخطوفين القدرة على الصبر والاحتمال.
عليه ووفقا لكل المعطيات المتجمعة تتجه الحكومة نحوالمراوغة ومحاولة كسب الوقت.لكن ماذا بعد رفض المطالب عمليا؟ وماذا عن تهديد الاهالي بالعودة الى قطع طريق ضهر البيدر الذي كاد ان يفجر ازمة لا قدرة لاحد على احتمالها؟ ماذا لو جرت «تصفية» الاسرى بقذيفة مجهولة المصدر؟ وما العلاقة بين ملف الامن الغذائي والاتهامات التي ساقها البعض صراحة ضد الوزير ابو فاعور واتهامه بنقل اموال الى المسلحين؟وما صحة المعلومات عن اطلاق احد الارهابيين الخطرين؟