حتى الآن، تتمكن المعارضة السورية من تنسيق خطواتها على الايقاع الدولي في ما يتصل بمحادثات جنيف، بشكل أفضل بكثير مما يفعل النظام. فحتى لو أمكن عزل مسألة تنحية بشار الأسد نوعاً ما، فإن مشكلة النظام مع ألفباء التسوية السياسية بحد ذاتها، تظهر أكثر فأكثر، وعلى الرغم من محورية نقطة تنحية بشار الأسد الا أن المعارضة، على ما يظهر حتى الآن، تستطيع بشكل أفضل مناقشة «الأوضاع الانتقالية» بواقعية وثقة تجلبان المزيد من التشنّج للمتحدّثين باسم النظام.
لا يلغي هذا أن المحادثات تفتقد حتى الآن خارطة طريق دولية جديدة وأوضح من المقرّر كصيغة للحل السياسي منذ سنوات، والأفكار التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا على أهميتها، وصوابيتها، واحتقان النظام منها، الا أنها غير كافية لفتح السبيل الى خارطة الطريق، لكنها تشكل مادة ستراكم عليها مواد أخرى، والغاية تحويل «الهدنة» أكثر فأكثر الى معطى سوري أساسي، وهو ما تنظر اليه حكومات عديدة في العالم من منظار نفعي أساسي أيضاً: حركة عودة للسوريين باتجاه بلدهم.
أمام التسوية السورية مسار غير سهل وغير واضح أبداً، انما يشجع عليها ان التوازن الكارثي بين نظام لم يستطع اخماد ثورة وبين ثورة تبدلت طبيعتها لأنها لم تستطع اسقاط النظام قد وصل الى درجة من الركود الأساسي، ما لا يتناقض مع تجدد الحيوية الشعبية ضد النظام حالما تراجع القتال.
لا يعني ذلك أن سوريا لن تشهد جولات احترابية جديدة، لكن الكتلة الدموية المتواصلة للحرب السورية كما عرفناها في السنوات الماضية صارت وراءنا، أو هذا ما يجري الضغط الآن لتكريسه كاتجاه أساسي.
طبعاً، يعي النظام أنه ليس بمستطاعه الافلات من مسار التسوية السياسية بسهولة، لكنه يعي أيضاً أن أمامه فضاء للمماطلة. هذه المماطلة تنبني على فكرة أنه يمكنه التعايش مع قسمة سوريا الى سوريا «النافعة» وسوريا «الهامشية» التي لم تعد تلزمه. لكنها قسمة تغذي البؤر الارهابية العابرة للحدود، ولا يمكن الركون اليها كمحميات ارهابية مكتفية بذاتها، من وجهة النظر الغربية، وأيضاً الروسية، وهذه نقطة الخلاف الأساسية مع النظام.
كثيراً ما يردد بشكل ببغائي ان «الغرب» يريد «التقسيم». الواقع انّ الغرب وروسيا الآن يشتركان في محددات لاتقسيمية تجاه المسألة السورية، في مقدمتها التناقض مع قسمة سوريا الى «نافعة» و»هامشية» التي ينتهجها النظام السوري، فـ»النافعة» هي نافعة في اطار المحور الايراني، و»الهامشية» فيها تهديد للسلام العالمي، و»داعش» لا تنظر الى نفسها كـ»دولة اسلامية في اقليم واحد»، وكذلك «النصرة«.
كل هذا يفترض ان يتحول الى مادة متابعة لبنانية حثيثة. ثمة مجال لأن تنعكس المحادثات الجنيفية ايجابياً، وثمة مجال لأن تنعكس سلباً، وفي الحالتين هذا يعني ليس فقط مسألة قتال مسلحي «حزب الله» في سوريا، بل مسألة اللاجئين السوريين في لبنان اليوم، وتداعيات «موسم الهدنة والمحادثات» عليهم، وعلى المقاربات اللبنانية لوجودهم.
المحادثات السورية ستكون طويلة، ومتقطعة، وتضييع الوقت هو سلاح النظام الأمضى فيها، في حين أن الأبعاد الكوكبية لمشكلة اللاجئين هي الضاغط الأول باتجاه منع المحادثات من الفشل.
بالتوازي، الآثار اللبنانية لن تتأخر. ثمة منسوب أكبر من التفاؤل للفوز بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكنه لا يزال تفاؤلاً خجولاً، وغامضاً. وثمة منسوب يستدعي حداً أكبر من الاحتراز، يتجه بالأبعاد الأهلية والسياسية لمسألة اللاجئين، لأنه مع تراجع الحرب، تصير مسألتهم مثارة بشكل أكثر إلحاحاً ومباشرة.