Site icon IMLebanon

الأزمة السورية وأزمنتها «الترقب البنّاء»

حروب متداخلة تشكل عناصر النزاع في سوريا منذ 2011 الى اليوم. انطلق النزاع بين طرفَي الداخل، الحكم والمعارضة، في آخر سلسلة تحولات الربيع العربي، وسرعان ما جذب اطراف الخارج، الإقليمية اولاً، ولاحقاً الدولية حيث كان لروسيا والصين موقف حازم في مواجهة الموقف الأميركي والغربي، في مجلس الأمن تحديداً. تواصل النزاع مع انضمام أطراف أخرى: حزب الله شارك في القتال الى جانب النظام وعدد من الدول العربية دعمت المعارضة بوسائل مختلفة. تركيا كانت الأكثر تشدداً وتفاؤلاً بسقوط سريع للنظام، وتحولت اسطنبول قاعدة اساسية للمعارضة السورية بأطيافها كافة، لا سيما الإخوان المسلمين الأكثر التصاقاً بأنقره.

ومن جنيف الى موسكو، مروراً بمجلس الأمن، انطلقت محاولات إيجاد تسوية لنزاع بات سورياً في الشكل أكثر منه في المضمون. ارتبطت الحلول بتقلّبات موازين القوى العسكرية، وتزامنت الحرب السورية مع أزمة أوكرانيا التي أضافت إليها بُعداً دولياً لجهة تجدّد الصراع بين واشنطن وموسكو. وازدادت الأزمة تفاقماً مع تمدّد الجماعات السلفية المسلحة، أبرزها داعش وجبهة النصرة. هكذا بات البغدادي والجولاني شريكا النظام والمعارضة المشتتة في الحل والربط في الأزمة السورية. راهنت واشنطن على محاولة فاشلة لتدريب مقاتلين «معتدلين» لمواجهة المتطرفين. وخلافاً لواشنطن، لموسكو تعريف واضح لاعتدال الجماعات الإسلامية وتطرّفها منذ التسعينيات.

ضَرَب الرئيس الروسي بوتين ضربته المحكمة وفي التوقيت المناسب، داخلياً، إقليمياً ودولياً، ما حمل أطراف النزاع على مراجعة حساباتهم ورهاناتهم. داعمو الضربات العسكرية الروسية للتنظيمات المتطرفة غير المعلَنين يفوق عدد المؤيدين، ومنهم مصر. موسكو تتصدّى لإرهاب التكفيريين منذ زمن وتدعم النظام وهي جاهزة لمواجهة تركيا وإسرائيل، إذا دعت الحاجة العسكرية. في المقابل، واشنطن ترغب في القضاء على داعش بوسيلة Remote Control العسكري ولا تدعم النظام وهي أيضاً في صراع مع داعميه، لا سيما موسكو وطهران. تركيا مكبّلة بين انتخابات مصيرية بالنسبة الى طموحات الرئيس أردوغان السلطانية والإرهاب في الداخل ومحاربة الأكراد والنظام السوري واحتمال الصدام مع روسيا. والمفارقة أن إسرائيل لا تزال خارج النزاع وتنسّق مع موسكو لتجنّب الصدام العسكري.

الأزمة السورية دخلت مرحلة اللاعودة الى حالة ما قبل 2011 وباتت تخص أطراف الخارج بقدر ما تخص أطراف الداخل. وهي تختلف عن حروب المنطقة الدائرة في اليمن وليبيا والعراق. في اليمن مصالح الرياض على المحك وطهران أقل اهتماماً بمآل اليمن بالمقارنة مع الأزمة السورية. وفي ليبيا معادلة مختلفة، داخلياً وخارجياً، كما ان الفلتان الليبي يطاول خطره اوروبا ومصر وليس الدول المعنية مباشرة بالنزاع السوري. أما المشترَك بين العراق وسوريا فهو تمدّد الدولة الإسلامية، بينما عناصر النزاع الأخرى مختلفة على رغم أن بعض الأطراف المنخرطة في النزاعين تجمعهما مصالح مشتركة.

الأزمة السورية بعد خمس سنوات على بدئها لم تعد تشبه سوى نفسها، بأطرافها وغاياتهم المتضاربة ومسار الحرب والحلول الممكنة في أي مدى، منظوراً كان أم مستوراً. إنه نفق الحروب الطويلة والمعقدة في زمن استرجاع روسيا بعض حضورها كقوة عظمى عبر الساحة السورية. القضاء على الإرهاب يبقى الجامع الأبرز لأطراف الخارج، بينما الخلاف قائم حول موقع النظام ودوره في أي تسوية ممكنة. «الترقب البنّاء» يناسب الأطراف جميعها في المرحلة الراهنة بانتظار وقائع الميدان العسكري. روسيا، الطرف الأقوى عسكرياً الآن، لن تكشف أوراقها إلا بعد نضوج ظروف التسوية، لا سيما أن الأزمة السورية دخلت حقبة ما بعد اتفاق فيينا بين إيران والمجتمع الدولي.

إنها الأزمة في أزمنة التحولات الإقليمية والدولية الكبرى وفي زمن لا يقاس بظروف وتوازنات أزمنة مضت. فالأكيد أن سوريا اليوم ليست سوريا ما بعد سقوط السلطنة العثمانية. فلا إمكانية لاستيلاد دول جديدة أو دويلات. سايكس وزميله بيكو رسما مناطق نفوذ لبريطانيا وفرنسا في 1916 قبل ان تنتهي الحرب الكونية وفي مرحلة ما قبل نشوء الدول المعاصرة. اما اليوم فالدول قائمة وتفكّكها أسهل من إعادة جمع مكوناتها أو قيام دول جديدة بالفرض أو بالافتراض والتمني.