على الرغم من أنّ الأنظار تتّجه إلى جنيف حيث يُجري المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا مشاوراته بشأن الأزمة السورية، إلّا أنّ مشاورات من نوع آخر تَجري بعيداً من الإعلام وقد تكون أكثرَ أهمّية وإنتاجية من لقاءات جنيف.
لا شكَّ في أنّ زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأسبوع الماضي إلى روسيا ولقاءَه الرئيسَ فلاديمير بوتين ووزيرَ خارجيته سيرغي لافروف لعدّة ساعات، وإعلانَه أنّ «واشنطن ستتعامل مع موسكو لحلّ الأزمة السورية «، قد فتحَت أبواباً لطالما كانت مغلقة بين القطبَين الدوليَين، ليس في الشأن السوري فحسب، بل في أكثر من ملف.
فالمؤشّرات تدل على أنّ الطرفَين قد اتّفقا على الخطوط العريضة تجاه حَلحلة الأزمة في أوكرانيا. وفي هذا السياق فإنّ حضور مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند الى موسكو كان لافتاً من حيث التوقيت والنتائج، فالمعلومات المتوافرة تشير إلى أنّ نولاند ناقشَت مع المعنيين الروس أدقَّ تفاصيل الحلّ في أوكرانيا، وقد تمّ التوصّل إلى رؤية موحّدة حول كيفية الخروج من الأزمة، ولهذا الغرَض غادرَ وزير الخارجية سيرغي لافروف على الفور إلى بروكسل للقاء الأمين العام لمجلس أوروبا توربيون ياغلاند لإطلاعه على الطبخة المشتركة ولطمأنة قادة القارّة العجوز بأنّ التوافق الروسي الأميركي لا يُغفِل مصالحَهم.
توازياً مع الحراك الروسي-الأميركي في الشأن الأوكراني، فقد أوفَدت واشنطن كبارَ خبرائها في قضايا الشرق الاوسط الى موسكو لمناقشة خَلطة الطبخة السورية. ووفقَ معلومات مؤكّدة فإنّ مبعوث الولايات المتّحدة الخاص إلى سوريا دانييل روبنشتاين على رأس وفد ديبلوماسي رفيع المستوى ناقشَ مع أركان الخارجية الروسية في موسكو أدقّ التفاصيل المتعلّقة للأزمة السورية.
بالطبع فإنّ الأزمة في سوريا غير منفصلة عن أخواتها في المنطقة العربية، لذلك فإنّ الحراك السياسي باتّجاه واشنطن وموسكو يبدو ملحوظاً على أكثر من محور.
وفي هذا المجال لا يمكن تجاهل القمّة الخليجية الأميركية التي تناولت دورَ إيران في المنطقة، والضمانات التي يمكن أن تقدّمها واشنطن للحدّ مِن توسّع نفوذ طهران. كما ويَندرج في هذا السياق لقاءُ الرئيس سعد الحريري بالرئيس بوتين في سوتشي الأسبوع المنصرم، والتواصل معه هاتفياً أوّل مِن أمس، ما يُعتبَر مؤشّراً إلى أنّ الحريري قد أعطى الروس أجوبةً على رسائل حمَلها معه إلى عدّة عواصم إقليمية وعربية وفي مقدّمتها الرياض.
لا شكّ في أنّ تشابكَ الملفات وكثرتها وتعقيداتها واختلاف الرؤى وفقَ المصالح الخارجية، سيَجعل عملية البحث عن حلول مُرضِية للأطراف كافّةً أمراً صعباً للغاية، وبالتالي فإنّه لا يمكن الرهان على العصا السحرية. في اعتبار أنّ النقاش دخلَ مرحلةَ التفاصيل الدقيقة، وغالباً ما يَكمن الشيطان في التفاصيل، لذلك فإنّ انتظار خروج الدخان الأبيض من واشنطن أو موسكو أو جنيف في المدى المنظور لا يبدو أمراً واقعياً. لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ واشنطن وموسكو قد وضَعتا الأزمة السوريّة على نار حامية.
وعلى الرغم من حِرص الخارجية الروسية على عدَم تسريب معلومات عن أجواء اللقاءات التي جَمعت الخبراء الروس والأميركيين، إلّا أنّ أوساطها تُبدي ارتياحاً لافتاً تجاه مشاورات روبينشتاين في موسكو، وأكّدت أنّه منذ نحو خمس سنوات لم تجرِ لقاءات بهذه الإيجابية مع الشرَكاء الأميركيين.
إذ إنّ المباحثات طالت خارطة الأزمة السورية داخلياً وخارجياً وبشكل مفصّل وشفّاف. ولم تستبعِد الأوساط توسيعَ دائرة المشاورات لتشملَ عدداً مِن الدوَل المعنية، كالسعودية وتركيا وإيران، وذلك بهدف تذليل العقبات أمام عَقدِ مؤتمر جنيف 3.