على غرار جميع الذين يلجأون في مسيرة إخضاع شعبهم وحماية نظامهم إلى ابتكار “عدو” يحمّلونه الفشل، برّر الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب قسمه كبوة اقتصاده باحتجاز المصارف اللبنانية أموال رأسمالييه. فما زال “جسم” المصارف اللبنانية “لبّيس”، فلنلبسها 30 أو 40 أو حتى 60 مليار دولار، ونهرب من عيون الفقراء والرازحين تحت فقدان السلع والمواد الأساسية، والمنتقدين عجز النظام في السيطرة على سعر الصرف الذي تجاوز 3500 ليرة. إلا أن ما فات الرئيس السوري الذي كان قد فتح الموضوع قبل سنة من اليوم، هو أن أموال مواطنيه التي “هربت” من نظامه إلى المصارف اللبنانية تراوحت قيمتها بين 12 و20 مليار دولار في العام 2012 بحسب تقارير دولية، ومنها لمجلة “الإيكونوميست” العريقة.
وبحسب الخبراء فإن هذه الأموال الهاربة من نظام البعث الإشتراكي لم تأخذ طريقها إلى سوريا، في عز أيام الإصلاح الإقتصادي والإنفتاح وتشجيع القطاع الخاص على الإستثمار في المشاريع قبل العام 2011 بسبب انعدام الثقة. وهي وإن كانت ما زالت موجودة في النظام المصرفي ولم تخرج قبل الأزمة اللبنانية إلى تركيا ومصر وغيرهما من الدول، فالأكيد أنها لن تستثمر في سوريا بأي شكل من الأشكال. والسبب هو معرفة أصحابها بحتمية تبخّرها، وعدم إحداث أي خرق في الأزمة. وذلك على غرار أموال رجال الأعمال الذين أجبروا على إعادتها في أيلول العام 2019.
فقبل شهر من إندلاع الثورة اللبنانية، أجبر الأسد نحو 70 رجل أعمال ومتمولاً على إحضار وضخ 150 مليون دولار لكل واحد منهم في الأسواق للسيطرة على سعر الصرف، في صفقة عرفت بـ”الدولار مقابل التبرئة من الفساد”. لكن الخطة فشلت ولم تستطع الأموال، المسحوب قسم كبير منها من لبنان، السيطرة على سعر الصرف الذي كان بحدود 700 ليرة سورية آنذاك.
خبير فضّل عدم كشف اسمه اعتبر أن المشكلة مع النظام السوري سياسية، ورئيس النظام هو أحد مسبّبيها الأساسيين. فالمجتمع الدولي معلّق عملية إعادة إعمار سوريا إلى أجل غير مسمى بسبب بقاء الأسد في سدة السلطة، ويوم رحيل الأسد تحل الأزمة في سوريا وتحل تلقائياً في لبنان، وقتها يمكن للمتمولين السوريين بدء استعادة أموالهم. وبرأيه “إذا أراد الأسد حالياً تسريع حصول السوريين على أموالهم، فليخفف الضغط عن النظام النقدي اللبناني بوقف التهريب إلى دولته. خصوصاً أن ما ذهب على التهريب إلى سوريا من أموال جميع المودعين، سواء كانوا سوريين أو غير سوريين، تراوح بين 3 و 4 مليارات دولار منذ بداية الإنهيار في لبنان.
نقطة أخيرة يجب التوقف عندها هي أن “احتمال أن تكون الأموال الباقية في النظام المصرفي اللبناني تعود لمقربين من النظام السوري كبيرة جداً. فهذه الفئة عجزت بعد تزايد الضغوط على النظام السوري والمقربين منه قبل العام 2019 عن اخراجها خوفاً من التعرض للعقوبات وفتح العيون عليها؛ واليوم لم يعد بمقدور أصحابها تحويلها إلى سوريا حتى لو استطاعوا، ذلك أن التحويلات المصرفية إلى نظام معاقب ممنوعة، وهي تهدد بوضع المصارف اللبنانية على لائحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي إقفالها بشحطة قلم.